قال الضحاك : وكان - صلوات الله وسلامه عليه - إذا آذاه الكفَّار يقعد إليهما، فيستروح بكلامهما، فقال المشركون : إنما يتعلَّم محمد منهما فنزلت الآية.
وقيل : سلمان الفارسي رضي الله عنه، فكذبهم الله - تعالى - بقوله :﴿ لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴾.
قوله تعالى :﴿ لِّسَانُ الذي ﴾ العامة على إضافة « لِسانُ » إلى ما بعده، و المراد باللسان هنا : القرآن، والعرب تقول للغة : لسان.
وقرأ الحسن - رضي الله عنه- : اللِّسان معرفاً ب « أل »، و « الَّذِي » نعت له وفي هذه الجملة وجهان :
أحدهما : لا محلَّ لها؛ لاستئنافها، قاله الزمخشري.
والثاني : أنَّها حال من فاعل « يَقُولونَ »، أي : يقولون ذلك والحال هذه؛ أي : علمهم بأعجميَّة هذا البشر، وإبانة عربيَّة هذا القرآن كان ينبغي أن يمنعهم من تلك المقالة؛ كقولك : تَشْتمُ فلاناً وهُو قَدْ أحْسنَ إليْكَ، أي : وعلمك بإحسانه إليك كان يمنعك من شتمه، قاله أبو حيان رحمه الله.
ثم قال :« وإنَّما ذهب الزمخشري إلى الاستئناف لا إلى الحال؛ لأن من مذهبه أنَّ مجيء الحال جملة اسميَّة من غير واو شاذٌّ، وهو مذهب مرجوح تبع فيه الفراء ».
و « أعجَميٌّ خبر على كلتا القراءتين، والإلحاد في اللغة : الميل، يقال : لَحَدَ وألْحَدَ؛ إذا مال عن القصد، ومنه يقال للعادل عن الحقِّ : مُلِْد.
وقرأ حمزة والكسائي :»
يَلْحَدُونَ « بفتح الايء والحاء، والباقون بضم الياء وكسر الحاء.
قال الواحدي - C- : والألى ضم الياء؛ لأنه لغة القرآن، ويدلُّ عليه قوله - تعالى - :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ ﴾ [ الحج : ٢٥ ] وتقدَّم خلاف القراء في المفتوح في الأعراف.
والإلحاد قد يكون بمعنى الإمالة؛ ومنه يقال : الْحَدت له لَحْداً؛ إذا حفرت له في جانب القبر مائلاً عن الاستواء، وقبر مُلْحَد ومَلْحُود، ومنه المُلْحِد؛ لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلِّها، لم يمله عن دينٍ إلى دينٍ، وفسِّر الإلحاد في هذه الآية بالقولين.
قال الفراء : يَمِيلُون من المَيْلِ. وق لالزجاج : يَمِيلُونَ من الإمالةِ، أي : لسان الذي يميلون القول إليه أعجمي.
والأعجمي : قال أبو الفتح الموصلي :»
تركيب « » ع ج م « وضع في كلام العرب للإبهام والإخفاء، وضدُّه البيان والإيضاح؛ ومنه قولهم : رَجُلٌ أعجم وامْرأةٌ عَجماء؛ إذا كانا لا يفصحان، والأعجمي : من لم يتكلم بالعربية. وقال الراغب : العجم خلاف العرب، والعجم منسوب إليهم، والأعجم : من في لسانه عجمه عربيًّا كان أو غير عربي؛ اعتباراً بقلَّة فهمه من العجمة.
والأعجمي منسوب إليه، ومنه قيل للبهيمة : عجماء؛ لأنها لا تفصح عما في نفسها، وصلوات النَّهار عجماء، أي : لا يجهر فيها، والعجَمُ : النَّوى لاختفائه.
قال بعضهم : معناه أن الحروف المجرَّدة لا تدلُّ على م اتدلُّ عليه الموصولة وأعْجَمتُ الكتابَ ضد أعربتهُ، وأعجمتهُ : أزلت عمتهُ؛ كأشْكَيتهُ : أزلتُ شِكايَتهُ.


الصفحة التالية
Icon