قال الشافعي - رضي الله عنه - في أحد قوليه : يجب القصاص؛ لأنَّه قتله عمداً عدواناً، فوجب عليه القصاص؛ لقوله - تعالى - :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ]، وأيضاً : أجمعنا على أن المكره إذا قصد قتله فإنَّ له أن يدفعه عن نفسه ولو بالقتل، فلما كان يوهم إقدامه على القتل، أوجب إهداء دمه، فلأن يكون عند صدور القتل عنه حقيقة يصير دمه مهدراً أولى.

فصل


من الأفعال ما يمكن الإكراه عليه كالقتل والتكلم بكلمة الكفر، ومنها ما لا يقبل الإكراه، قيل : وهو الزِّنا؛ لأن الإكراه يوجب الخوف الشديد، وذلك يمنعُ من انتشار الآلة، فحيث دخل الزِّنا في الوجود، دل على أنَّه وقع بالاختيار لا على سبيل الإكراه.
وقيل : الإكراه على الزِّنا مقصور؛ كما لو انتشر ذكره وهو نائمٌ فاستدخلته المرأة في تلك الحالة، أو كان به مرض الانتصاب، فلا يزال منتشراً، أو علم أنَّه لا يخلص من الإكراه إلا باستحضار الأسباب الموجبة للانتشار.

فصل


قال القرطبي - رحمه الله تعالى - : ذهب بعض العلماء إلى أنَّ الرُّخصة إنما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه؛ مثل أن يكره على السُّجود لغير الله تعالى أو الصَّلاة لغير القبلة، أو قتل مسلم، أو ضربه، أو أكل ماله، أو الزِّنا، أو شرب الخمر، أو أكل الرِّبا، روي ذلك عن الحسن البصري، وهو قول الأوزاعي والشافعي وبعض المالكيَّة - رضي الله تعالى عنهم-.

فصل


قال القرطبي : وأما بيع المكره والمضغوط فله حالتان :
الأول : أن يبيع ماله في حق وجوب عليه، فذلك ماضٍ سائغ لا رجوع فيه؛ لأنَّه يلزمه أداء الحقِّ من غير المبيع، وأما بيع المكره ظلماً أو قهراً، فذلك لا يجوز عليه، وهو أولى بمتاعه يأخذه بلا ثمن، ويتبع المشتري بالثَّمن ذلك الظالم فإنْ فات المتاع، رجع بثمنه أو بقيمته بالأكثر من ذلك على الظالم إذا كان المشتري غير عالم لظلمه، وأما يمين المكره فغير لازمةٍ عند مالك والشافعي - رضي الله عنهما - وأكثر العلماء، قال ابن العربي :« واختلفوا في الإكراه على الحنث هل يقع أم لا؟ ».
قال ابن العربي رحمه الله :« وأي فرقٍ بين الإكراه على اليمين في أنَّها لا تلزم، وبين الحنث في أنه لا يقع ».

فصل


إذا أكره الرَّجل على أن يحلف وإلاَّ أخذ ماله، فقال مالك : لا تقيَّة في المال، فإنَّما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه.
وقال ابن الماجشون :« لا يحنث وإن درأ عن ماله أيضاً ».
قال القرطبي : وأجمع العلماء على أنَّ من أكره على الكفر فاختار القتل، أنَّه يكون أعظم أجراً عند الله ممَّن اختار الرخصة «.


الصفحة التالية
Icon