﴿ حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [ الزمر : ٧٣ ].
فصل
لما توعد مكذِّبي الرسل بقوله :﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ ﴾ الآية أتبعه بما يؤكد الزجر، وهو قوله :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾ في الهلاك والعذاب، أي : أجلٌ مضروبٌ، لا يتقدم العذاب عليه، ولا يتأخر عنه، والمراد بهذا الهلاك : عذاب الاستئصال، وقيل : الموتُ.
قال القاضي : والأول أقرب؛ لأنه أبلغ في الزَّجر، فبيَّن تعالى أن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغترَّ به العاقل. وقيل : المراد بالهلاك مجموع الأمرين.
قوله :﴿ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا ﴾ « مِنْ أمةٍ » فاعل « تَسْبِقُ »، و « مِنْ » مزيدة للتأكيد؛ كقولك : ما جَاءنِي من أحَدٍ.
قال الواحدي :« وقيل : ليست بزائدةٍ؛ لأنَّها تفيد التبعيض، أي : هذا الحكم لم يحصل في بعض من أبعاض هذه الحقيقة، فيكون ذلك في إفادة عموم النَّفي، آكد ».
قال الزمخشري :« معنى :» سَبَقَ « : إذا كان واقعاً على شخصٍ، كان معناه أنَّه [ جاز ]، وخلف؛ كقولك : سَبَقَ زيدٌ عمْراً، أي : جَاوزَهُ وخَلفهُ وراءهُ، ومعناه : أنه قصَّر عنه وما بلغه، وإذا كان واقعاً على زمانٍ، كان بالعكس في ذلك، كقولك : سَبٌ فُلانٌ عام كذا، معناه : أنه مضى قبل إتيانه، ولم يبلغه، فقوله :﴿ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ معناه : أنه لا يحصل الأجل قبل ذلك الوقت ولا بعده، وإنَّما يحصل الأجل قبل ذلك الوقت ولا بعده، وإنَّما يحصل في ذلك الوقت بعينه ».
وحمل على لفظ « أمََّةٍ » في قوله :« أجَلهَا »، فأفرد وأنَّث، وعلى معناها في قوله :﴿ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾، فجمع وذكَّر، وحذف متعلق « يَسْتَأخِرُون » وتقديره : عنه؛ للدلالة عليه، ولوقوعه فاصلاً.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ كل من ما أو قتل، فإنما مات بأجله، وأنَّ من قال : يجوز أن يموت قبل أجله مخطىء.
قوله :« وقَالُوا »، يعنى مشركي مكَّة ﴿ ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر ﴾، أي : القرآن، وأراد به محمداً صلى الله وعليه وسلم.
والعامة على :« نُزِّلَ » مشدَّداً، مبنيًّا للمفعول، وقرأ زيد بن علي :« نَزلَ »، مخفََّاً مبنيًّا للفاعل.
﴿ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ وذكروا نزول الذِّكر؛ استهزاء، وإنما وصفوه بالجنون، إما لأنه صلوات الله وسلامه عليه كان يظهر عليه عند نزول الوحي، حالةٌ شبيهةٌ بالغشي؛ فظنُّوا أنَّها جنونٌ، ويدلُّ عليه قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ ﴾ [ الأعراف : ١٨٤ ].
وإما لأنه كانا يستبعدون كونه رسولاً حقًّا من عند الله؛ لأن الرجل إذا سمع كلاماً مستبعداً من غيره، فربما قال : به جنون.
قوله :﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة ﴾، « لَوْ مَا » : حرف تحضيضٍ؛ ك « هَلاًّ »، وتكون أيضاً حرف امتناع لوجودٍ، وذلك كما أنَّ « لولا » متردَّدةٌ بين هذين المعنيين، وقد عرف الفرق بينهما، وهو أنَّ التحضيضيَّة لا يليها إلاَّ الفعل ظاهراً أو مضمراً؛ كقوله :[ الطويل ]