﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ ﴾ [ الإسراء : ٧٩ ]. انتهى.
فيكون « سَرَى » و « أسْرَى » ك « سَقَى » و « أسْقَى » والهمزة ليست للتعدية؛ وإنما المعدَّى الباء في « بعبده »، وقد تقدَّم أنها لا تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول عند الجمهور، في البقرة، خلافاً للمبرِّد.
وزعم ابن عطية أنَّ مفعول « أسْرَى » محذوف، وأن التعدية بالهمزة؛ فقال :« ويظهر أنَّ » « أسْرَى » معدَّاةٌ بالهمزة إلى مفعول محذوف، أي : أسرى الملائكة بعبده؛ لأنه يقلقُ أن يسند « أسْرَى » وهو بمعنى « سَرَى » إلى الله تعالى؛ إذ هو فعلٌ يقتضي النَّقلة؛ ك « مَشَى، وجرى، وأحضر، وانتقل » فلا يحسن إسناد شيء من هذا مع ودجود مندوحةٍ عنه، فإذا وقع في الشريعة شيء من ذلك، تأوَّلناهُ؛ نحو : أتَيْتهُ هَرْولةً «.
وهذا كلُّه إنما بناهُ؛ اعتقاداً على أن التعدية بالباء تقتضي مضاحبة الفاعل للمفعول في ذلك، وتقدَّم الردُّ على هذا المذهب في أوَّل البقرة في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠ ].
ثم جوَّز أن يكون » أسْرَى « بمعنى » سَرَى « على حذف مضافٍ؛ كقوله :﴿ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ ﴾ [ البقرة : ١٧ ] يعني : فيكون التقدير : الذي أسْرِى ملائكته بعبده، والحامل له على ذلك ما تقدَّم من اعتقاد المصاحبة. والعبد هو محمد ﷺ.
قوله :» لَيْلاً « منصوب على الظرف، وقد تقدم فائدة تنكيره. و » مِنَ المسجد « » مِنْ « لابتداء الغاية.
فصل في وقت الإسراء
قال مقاتل :» كان قبل الهجرة بستَّة عشر شهراً «، ونقل الزمخشري عن أنس والحسين : كان قبل البعثة، واختلفوا في المكان الذي أسْرِي به منه، فقيل : هو المسجد الحرامُ بعينه؛ لظاهر القرآن، وقوله - ﷺ - :» بَيْنَا أنَا في المَسْجدِ الحَرامِ عِندَ البَيْتِ بيْنَ النَّائمِ واليَقْظَانِ، إذْ أتَانِي جِبْريلُ عليه السلام بالبراقِ «.
وقيل : أسري به من دار أمِّ هانئ بنت أبي طالبٍ، وعلى هذا، فالمراد بالمسجد الحرام الحرمُ.
قال ابن عبَّاس :» الحرم كلُّه مَسْجِدٌ «، وهذا قول الأكثرين. وقوله :﴿ إلى المسجد الأقصى ﴾.
اتفقوا على أنه بيتُ المقدس، وسمي بالأقصى؛ لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام.
وقوله :﴿ بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾.
قيل : بالأزهار والثمار.
وقيل : لأنه مقرُّ الأنبياء، ومهبطُ الملائكةِ.
واعلم أنَّ كلمة :» إلى « لانتهاء الغاية، فمدلول قوله :﴿ إلى المسجد الأقصى ﴾ أنه وصل إلى ذلك، فأما أنه دخل المسجد أم لا، فليس في اللفظ دلالةٌ عليه، إلاَّ أنه ورد الحديثُ أنَّه ﷺ صلَّى فيه.
قوله :» حولَه « فيه وجهان : أظهرهما : أنه منصوبٌ على الظَّرفِ، وقد تقدَّم في تحقيق القول فيه أوَّل البقرة.