فصل


اختلفوا في الرؤية، فقال ابن عباس : رآهُ بفؤاده مرَّتين، وأبو هريرة أطلق الرؤية، وصرَّح ابن خزيمة وآخرون بالرُّؤية بالعينين، وهو اختيار أبي الحسن الأشعريِّ والنَّوويِّ في فتاويه، واستدلَّ من منع ذلك بما روى مسلم عن أبي ذرٍّ قال : قُلت : يا رسول الله، هَلْ رَأيْتَ ربَّك قال :« نُورٌ » وفي رواية :« رأيْتُ نُوراً ».
وقالوا : لم يمكن رؤية الباقي بالعين الفانية، ولهذا قال تعالى لموسى فيما رُوِيَ في الكتب الإلهية :« يا مُوسَى، إنَّه لا يَرانِي حيٌّ إلاَّ مَاتَ ولا يابس إلا تَدَهْدَهَ ».
قالت عائشة وجماعة :« إنَّ ذلك كان رُؤيا منامٍ ».
وقال غيرهما من الصحابة : إنَّ ذلك كان ف ياليقظة، فإنَّه ﷺ كان لا يرى رؤيا إلاَّ جَاءتْ مثلَ فلقِ الصُّبْحِ.
واختلف العلماءُ في أنَّ الإسراء والمعراج، هل كانا في ليلةٍ واحدةٍ، وأو كل واحدٍ في ليلةٍ؟ فمنهم من زعم أن الإسراء في اليقظة، والمعراج في المنام، وذهب آخرون إلى أنَّ الإسراء كان مرتين، مرَّة بروحه مناماً، ومرة بروحه يقظة، وذهب آخرون إلى تعدُّد الإسراء في اليثظة، وقالوا :« إنَّها أربع إسراءات » لتعدُّد الروايات في الإسراء، واختلاف ما يذكر فيها، فبعضهم يذكر شيئاً لم يذكره الآخر، وبعضهم يذكر شيئاً ذكره الآخر، وهذا لا يدلُّ على التعدُّد؛ لأنَّ بعض الرواة قد يحذف بعض الخبر؛ للعلم به، أو ينساهُ، أو يذكر ما هو الأهمُّ عنده، أو يبسطُ تارة، فيسوقه كلَّه، وتارة يحدث المخاطب بما هو الأنفع له، ومن جعل كلَّ رواية إسراء على حدةٍ، فقد أبعد هذا؛ لأنَّ كل السياقات فيها السلام على الأنبياء، وفي كلِّ منها تعريفه بهم، وفي كلِّها تفرض عليه الصلوات، فكيف يمكنُ أن يدعى تعدد ذلك؛ وما عدد ذلك؟ هذا في غاية البعد والاستحالة، والله أعلم، ذكر هذا الفصل ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon