قوله :﴿ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾ متعلق بالجواب المقدر.
يقال : سَاءَهُ يَسُوءهُ، أي : أحْزَنَهُ وإنما عزا الإساءة إلى الوجوه؛ لأنَّ آثار الأعراض الفسانيَّة الحاصلة في القلب إنَّما تظهر على الوجه، فإن حصل الفرح في القلب ظهرت النُّضرة والإشراق والإسفار في الوجه، وإن حصل الحزن والخوف في القلب ظهر الكلوح والغبرة والسَّواد في الوجه، فلهذا عزيت الإساءة غلى الوجوه في هذه الآية، ونظير هذا المعنى في القرآن كثيرٌ.
وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر « لِيَسًوءَ » بالياء المفتوحة وهمزة مفتوحة آخراً.
والفاعل : إما الله تعالى، وإمَّا الوعد، وإمَّا البعثُ، وإمَّا النَّفيرُ، والكسائي بنون العظمة، أي : لِنَسُوء نحنُ، وهو موافقٌ لما قبله من قوله ﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ ﴾ و « وَدَدْنَا » و « أمْدَدْنَا » وما بعده من قوله :« عُدْنَا » و « جَعَلْنَا »
وقرأ الباقون « لِيَسًوءُوا » مسنداً إلى ضمير الجمع العائد على العباد أو أولي البأسِ، أو على النَّفير؛ لأنه اسم جمعٍ، وهو موافقٌ لما بعده من قوله ﴿ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ ﴾ وفي عود الضمير على النفير نظر؛ لأن النفير المذكور من المخاطبين، فكيف يوصف ذلك النفير بأنه يسوءُ وجوههم؟ اللهم إلا أن يريد هذا القائلُ أنه عائدٌ على لفظه، دون معناه؛ من بابِ « عِندِي دِرْهمٌ ونِصْفهُ ».
وقرأ أبيٌّ « لِنَسُوءَنْ » بلام الأمر ونون التوكيد الخفيفة ونون العظمة، وهذا جواب ل « إذا » ولكن على حذف الفاء، أي : فَلِنَسُوءَنْ، ودخلت لامُ الأمر على فعل المتكلِّم؛ كقوله تعالى ﴿ وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٢ ].
وقرأ ابنُ أبي طالبٍ « لَيسُوءَنَّ » و « لَنَسُوءَنَّ » بالياء والنون التي للعظمة، ونون التوكيد الشديدة، واللام التي للقسم، وفي مصحف أبيِّ « لِيَسُوءُ » بضم الهمزة من غير واوٍ، وهذه القراءة تشبه أن تكون على لغةِ من يجتزئُ عن الواو بالضمة؛ كقوله :[ الوافر ]

٣٣٨١- فَلوْ أنَّ الأطبَّا كَانُ حَوْلِي .................
يريد :« كَانُوا حَوْلِي » وقول الآخر :[ الكامل ]
٣٣٨٢-...................... .... إذَا مَا النَّاسُ جَاعُ وأجْدَبُوا
يريد « جَاعُوا »، فكذا هذه القراءة، أي : لِيَسُوءوا، كما في القراءةِ الشهيرة، فحذف الواو.
وقرئ « لِيُسِيءَ » بضمِّ الياء وكسر السين وياء بعدها، أي : ليُقَبِّحَ الله وجوهكم، أو ليقبِّح الوعد، أو البعث. وفي مصحف أنس « وَجْهَكُمْ » بالإفراد؛ كقوله :[ الوافر ]
٣٣٨٣- كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكمُ تَعِفُّوا ......................
وكقوله :[ الرجز ]
٣٣٨٤-....................... في حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقَدْ شَجِينَا
وكقوله :
٣٣٨٥-........................ وأمَّا جِلدُهَا فَصَلِيبُ
قوله :« وليَْخُلوا » من جعل الأولى لام « كَيْ » كانت هذه أيضاً لام « كَيْ » معطوفة عليها، عطف علة على أخرى، ومن جعلها لام أمرٍ كأبيٍّ، أو لام قسم؛ كعلي بن أبي طالب، فاللام في « لِيدْخُلوا » تحتمل وجهين : الأمر والتعليل، و « كَمَا دَخلُوهُ » نعتُ مصدرٍ محذوفٍ، أو حالٌ من ضميره، كما يقول سيبويه، أي : دخولاً كما دخلوه، و « أوَّل مرَّةٍ » ظرف زمانٍ، وتقدَّم الكلام عليها في براءة.


الصفحة التالية
Icon