والمراد بالمسجد بيت المقدس ونواحيه.
قوله :﴿ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ﴾ التتبير الهلاك، يقال : تبر الشيء تبراً وتباراً وتبرية إذا هلك، وتبَّرهُ : أهلكه، وكلُّ شيء جعلته مكسَّراً مفتَّتا، فقد تبَّرتهُ، ومنه قيل : تب رالزجاج، وتبر الذَّهب لمكسره، ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ ﴾ [ الأعراف : ١٣٩ ]، وقوله :﴿ وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً ﴾ [ نوح : ٢٨ ] وقوله :« ما عَلَوْا » يجوز في « ما » أن تكون مفعولاً بها، أي : ليهلكوا الذي عَلوْهُ، أي : غلبوا عليه وظفروا وقيل : لِيهْدمُوه : كقوله :[ الطويل ]
٣٣٨٦- ومَا النَّاسُ إلاَّ عَامِلانِ، فعَاملٌ | يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وآخَرُ رَافِعُ |
وقوله :« تَتْبيراً » ذكر للمصدر على معنى تحقيق الخبر، وإزالة الشكِّ في صدقه كما في قوله تعالى :﴿ وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً ﴾ [ النساء : ١٦٤ ] أي حقًّا، والمعنى ليُدمِّرُوا ويخرّبوا ما غلبوا عليه.
ثم قال :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ والمعنى : لعلَّ ربَّكم أن يرحمكم، ويعفُوَ عَنْكُم يا بني إسرائيل بعد انتقامهِ منكم بردِّ الدَّولة إليكم.
﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ أي : إن عدتم إلى المعصية، عدنا إلى العقوبة، قال القفال :« وإنَّما حملنا هذه الآية على عذاب الدنيا؛ لقوله تعالى في سورة الأعراف خبراً عن بني إسرائيل :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة مَن يَسُومُهُمْ سواء العذاب ﴾ [ الأعراف : ١٦٧ ] ثم قال :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ أي وإنهم قد عادوا إلى فعل ما لا ينبغي، وهو التكذيب بمحمد ﷺ وكتمان ما ورد في التوراة والإنجيل، فعاد الله عليهم بالتعذيب على أيدي العرب، فجرى على بني النضير، وقريظة وبني قينقاع، ويهود خيبر ما جرى من القتل والجلاء، ثم الباقون منهم مقهورون بالجزية، لا ملك لهم ولا سلطان. ثم قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً ﴾.
يجوز أن تكون » حصيراً « بمعنى فاعل، أي : حاصرة لهم، محيطة بهم، وعلى هذا : فكان ينبغي أن تؤنَّث بالتاء كجبيرة. وأجيب : بأنها على النَّسب، أي ذات حصرٍ؛ كقوله :﴿ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ [ المزمل : ١٨ ]، أي ذات انفطارٍ، وقيل : الحصيرُ : الحبسُ، قال لبيد :[ الكامل ]
٣٣٨٧- ومَقامَةٍ غُلْبٍ الرِّجالِ كَأنَّهم | جِنٌّ لَدى بَابِ الحَصِير قِيَام |