وهذه الآية أدلُّ دليلٍ على أنَّ كلَّ ما قدَّره الله - تعالى - على الإنسان، وحكم به عليه في سابق علمه، فهو واجب الوقوع، ممتنع العدمِ؛ لأنه تعالى بيَّن أن ذلك العمل لازمٌ له، وما كان لازماً للشيء؛ كان ممتنع الزَّوال عنه، واجب الحصول له، وأيضاً : فإن الله - تعالى - أضاف ذلك الإلزام إلى نفسه بقوله :« ألْزَمنَاهُ »، وذلك تصريحٌ بأنَّ الإلزام إنما صدر منه كقوله تعالى :﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى ﴾ [ الفتح : ٢٦ ] وقال - صلوات الله وسلامه عليه- :« جفَّ القَلمُ بِمَا هُو كَائِنٌ إلى يَومِ القِيامَةِ ».
قوله تعالى :﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً ﴾.
العامة على « نُخْرِجُ » بنون العظمة مضارع « أخْرجَ »، و « كِتاباً » فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول به.
والثاني : أنه منصوب على الحال من المفعول المحذوف؛ إذ التقدير : ونخرجه له كتاباً، أي : ونخرج الطائر.
ويُرْوَى عن أبي جعفرٍ :« ويَخْرَجُ » مبنياً للمفعول، كتاباً نصب على الحال، والقائم مقام الفاعل ضمير الطائر، وعنه أنَّه رفع « كتاباً » وخُرِّج على أنه مرفوعٌ بالفعل المبنيِّ للمفعول، والأولى قراءة قلقة.
وقرأ الحسن :« ويَخْرُجُ » بفتح الياء وضمِّ الراءِ، مضارع « خَرجَ » « كتابٌ » فاعل الطائر، أي : ويخرجُ له طائره في هذا الحال، وقرئ « ويُخْرِجُ » بضمِّ الباؤ وكسر الراء، مضارع « أخرجَ » والفاعل ضمير الباري تعالى، « كتاباً » مفعولٌ.
قوله تعالى :« يَلْقاهُ » صفةٌ ل « كتاباً »، و « مَنْشُوراً » حالٌ من هاء « يَلْقَاهُ » وجوَّز الزمخشري وأبو البقاء وأبو حيَّان أن يكون نعتاً لِ « كِتَاباً »، وفيه نظر؛ من حيث إنه يلزم تقدم الصفة غير الصَّريحةِ، على الصَّريحةِ، وقد تقدَّم ما فيه.
وقرأ ابن عامرٍ وأبو جعفر « يُلقَّاهُ » بضمِّ الياء وفتح اللام وتشديد القاف، مضارع لُقِّي بالتشديد قال تعالى :