قوله تعالى :« أولئك » إشارة إلى ما تقدَّم من السمع، والبصر، والفؤاد؛ كقوله :[ الكامل ]

٣٤٢٠- ذُمَّ المَنازِلَ بعد مَنْزلةِ اللِّوَى والعَيْشَ بعْدَ أولئِكَ الأيَّامِ
ف « أولئكَ » يشارُ به إلى العقلاء وغيرهم من الجموع، واعتذر ابن عطيَّة عن الإشارة به لغير العقلاءِ، فقال : وعبَّر عن السَّمعِ، والبصرِ، والفؤاد ب « أولئك » لأنها حواسٌّ لها إدراكٌ، وجعلها في هذه الآية مسئولة؛ فهي حالة من يعقل؛ ولذلك عبَّر عنها بكناية من يعقل، وقد قال سيبويه - رحمه الله - في قوله تعالى :﴿ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [ يوسف : ٤ ] إنما قال « رَأيْتهُم » في نجوم؛ لأن لمَّا وصفها بالسجود - وهو فعلُ من يعقِلُ - عبَّر عنها بكناية من يعقل، وحكى الزجاج أنَّ العرب تُعَبِّرُ عمَّن يعقلُ وعمَّن لا يعقل ب « أولئك » وأنشد هو والطبريُّ :[ الكامل ]
٣٤٢١- ذُمَّ المَنازِلَ بعد مَنْزلةِ اللِّوَى والعَيْشَ بعْدَ أولئكَ الأيَّامِ
وأمَّا حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده، وأمَّا البيت فالرواية فيه « الأقوامِ » ولا حاجة إلى هذا الاعتذار لما عرفت، وأما قوله :« إنَّ الرواية : الأقوَامِ » فغير معرنوفةٍ والمعروفُ إنما هو « الأيَّامِ ».
قوله :« كُلُّ اولئِكَ » مبتدأ، و الجملة من « كَانَ » خبره، وفي اسم « كان » وجهان :
أحدهما : أنه ضمير عائد على « كلُّ » باعتبار لفظها، وكذا الضمير في « عَنْهُ » و « عَنْهُ » متعلق ب « مَسْئُولاً » و « مَسْئولاً » خبرها.
والثاني : أنَّ اسمها ضمير يعود على القافي، وفي « عَنْه » يعود على « كُلُّ » وهو من الالتفات؛ إذ لو جرى على ما تقدَّم، لقيل : كُنْتَ عنه مسئولاً، وقال الزمخشري : و « عَنْهُ » في موضع الرفعِ بالفاعلية، أي : كل واحدٍ كان مَسْئولاً عنه، فَمسئُول مسند إلى الجار والمجرور؛ كالمغضوب في قوله ﴿ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم ﴾ [ الفاتحة : ٧ ] انتهى. وفي تسميته مفعول ما لم يسمَّ فاعله فاعلاً خلاف الاصطلاح.
وقد ردَّ أبو حيَّان عليه قوله : بأنَّ القائم مقام الفاعل حكمه حكمه، فلا يتقدَّم على رافعه كأصله، وليس لقائلٍ أن يقول : يجوز على رأي الكوفيِّين؛ فإنهم يجيزون تقديم الفاعل؛ لأن النحَّاس حكى الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل، إذا كان جارًّا أو مجروراً، فليس هو نظير وله ﴿ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم ﴾ فحينئذٍ يكون القائم مقام الفاعل الضمير المستكنَّ العائد على « كُلُّ » أو على القافي.

فصل في ظاهر الآية


ظاهر الآية يدلُّ على أنَّ الجوارح مسئولةً، وفيه وجوهٌ :
الأول : معناه أنَّ صاحب السَّمع، والبصر، والفؤاد هو المسئُول؛ لأنَّ السؤال لا يصحُّ إلاَّ من العاقل، وهذه الجوارح ليست كذلك، بل العاقل الفاهم هو الإنسان : لم سمعت ما لا يحلُّ سماعه، ولم نظرت إلى ما لا يحلُّ لك نظره، ولم عزمت على م الا يحلُّ لك العزم عليه.


الصفحة التالية
Icon