قوله تعالى :﴿ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴾، يجوز في خمسة أوجه :
أحدها : قول الزجاج : أنه منصوب بفعلٍ مقدرٍ، تقديره : وأغنينا من لستم له برازقين، كالعبد، والدَّواب، والوحوش.
الثاني : أنه منصوب عطفاً على « مَعايِشَ »، أي : وجعلنا لكم فيها معايش ومن لسْتُمْ له برازقين من الدَّواب المنتفع بها.
الثالث : أنه منصوب عطفاغً على محل « لَكُمْ ».
الرابع : أنه مجرور عطفاً على « كُمْ » المجرور بها اللام؛ وجاز ذلك من غير إعادة الجار على رأي الكوفيين، وبعض البصريين، وتقدم تحقيقه في البقرة، عند قوله :﴿ وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ].
الخامس : أنه مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، أي : ومن لستم له برازقين، جعلنا له فيها معايش، وسمع من العرب : ضربت زيداً، وعمروا، برفع « عمرو » ؛ مبتدأ محذوف الخبر، اي : وعمرو ضربته، و « مَنْ » يجوز أن يراد بها العقلاء، أي : من لستم له برازقين من مواليكم الذين تزعمون أنكم ترزقونهم، أو يراد بها غير العقلاء، أي : من لستم له برازقين من الدوابِّ، وإن كنتم تزعمون أنكم ترزقونهم؛ قال الله تعالى :﴿ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ ﴾ [ النور : ٤٥ ]، وقال سبحانه :﴿ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾ [ النمل : ١٨ ] فذكرها بصيغة جمع العقلاء، ويجوز أن يراد بها النوعان؛ وهو حسنٌ لفظاً ومعنًى.
قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ ﴾، و « إنْ » : نافية، و « مِنْ » مزيدة في المبتدإ، و « عِنْدَنَ » خبره، و « خَزائِنهُ » فاعل به؛ لاعتماده على النَّفي، ويجوز أن يكون « عِندَنَا » خبراً ل « ما » بعده، والجملة خبر الأولى، والأولى أولى؛ لقرب الجارِّ من المفرد.
قال الواحدي :« الخَزائِنُ : جمع الخِزانَة، وهي اسمُ المكمان الذي يُخْزنُ فيه الشيء، أي : يحفظ، والخِزانةٌ أيضاً عمل الخازن، ويقال : خَزَنَ الشَّيء يَخْزنهُ، إذ أحْرزَهُ ».
و « خَزَائِنهُ » هو المطر؛ لأنه سبب الأرزاق، والمعايش لبني آدم، وسائر الحيوانات.
قوله :« إلاَّ بقدَرٍ معلوم » يجوز أن يتعلق بالفعل قبله، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنهخ حالٌ من المفعول، اي : إلا ملتبساً بقدرٍ.
قال ابن عباس رضي الله عنه : يريد : قدر الكفايةِ، لكل ارضِ حدُّ مقدرٌ، وقال الحكم : ما من عامٍ بأكثر مطرٍ، من عام آخر؛ ولكنه يمطر قومٌ، ويحرمُ آخرون، وربما كان في البرح، يعني أنه تعالى ينزل المطر كلَّ عامٍ بقدرٍ معلومٍ، غير أنَّه يصرفه إلى من يشاء حيث يشاء.
ولقائل أن يقول : لفظ الآية لا يدلُّ على هذا المعنى، فإن قوله تعالى :﴿ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾، لا يدلُّ على أنه تعالى ينزله في جميع الأعوامِ على قدر واحد، فتفسير الآية بهذا المعنى تحكُّمٌ بغير دليلٍ.