وقال ابنُ الخطيب :« وتخصيص قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ بالمطر تحكم محضٌ؛ لأن قوله :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ ﴾ يتناول جميع الأشياء، إلا ما خصه الدليل ».
روى جعفر، عن محمدٍ، عن أبيه، عن جده، قال : في العرش مثال جميع ما خلق الله في البر، والبحر، وهو تأويل قوله :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾.
قوله :﴿ وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ ﴾ الآية « لَواقِحَ » : حاتلٌ مقدرة من « الرِّياحِ »، وفي اللواقح أقوال :
أحدها : أنها جميع « مُلْقِح » ؛ لأنه من ألْقَحَ يُلقحُ، فهو ملقحٌ، وجمعه مَلاقح، فحذفت اليمم؛ تخفيفاً، يقال : ألْقحَتِ الريحُ السَّحاب، كما يقال : ألْقحَ الفَحْلُ الأنثَى؛ ومثله : الطَّوائِحشُ، وأصله المطارحُ؛ لأنه من أطَاحَ يُطِيحُ، قال :[ الطويل ]

٣٢٧١ لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخصًومَةٍ ومُخْتَبِطٌ ممَّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ
وهذا قول أبي عبيدة.
والثاني : أنه جمع لاَقِح، يقال : لقَحَتِ الريحُ : إذا حملتِ الماء، وقال الأزهري : حَوامِلُ تَحْمِلُ السَّحابَ؛ كقولك : ألقحتِ الناقةُ، فلَقِحتْ، إذا حملتِ الجَنين : َ في بَطْنِهَا، فشُبِّهتِ الريحُ بِهَا؛ ومنه قوله :[ الطويل ]
٣٢٧٢ إذّا لَقِحَتْ حَرْبٌ عَوانٌ مُضرَّةٌ ضَرُوسٌ تُهِرُّ النَّاس أنْيَابُهَا عُصْلُ
الثالث : أنَّها جمع لاقحٍ، على النسب؛ كالابنِ وتامرِ، أي : ذات لقاحٍ، لأنَّ الرِّحَ إذا مَرَّت على الماءِ، ثُم مرَّت على السَّحابِ، والماءِ، كان فيها لقاحٌ قاله الفراء.

فصل


قال ابن عباس رضي الله عنهما : الرياحُ لوَاقِحُ الشَّجر والسَّحاب؛ وهو قول الحسن، وقتادة، والضحاك؛ لأنها تحمل الماء إلى السحاب؛ وأصله من قولهم : لقَحتِ الناقة، وألْقَحَهَا الفحلُ، إذا ألقى الماء فيها فحملت.
قال ابن مسعودٍ في تفسير هذه الآية : بعث الله الرياحَ؛ لتلقيح السحاب، فتحمل الماغء، وتمجّه في السحاب، ثم إنه يعصرُ السحاب، ويدره كما يدر اللقحة.
وقال عبيدٌ بن عيمر : يبعثُ الله الريح المبشرة، فتقم الأرض قماً، ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث المؤلفة، فتؤلف السحاب بعضه إلى بعضٍ، فتجعله ركاماً، ثم ثبعث اللوَاقِحُ الشَّجر ثم تلا عبيد :« وأرسلنا الرياح لواقح » قال أبو بكر بنِ عيَّاشٍ رضي الله عنه : لا تقطر القطرةُ من السماء إلا بعد أن تعمل الرياحُ الأربعة فيها، فالصَّبا تُهيِّجه، والشَّمالُ تَجمعُه والجَنوبُ تُدرُّه، والدَّبُور تُفرِّقه.

فصل


قال القرطبيُّ :« روي عن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ ﴾، أي : ذوات لقح، فلقاحُ القمح عندي أن يحبب ويسنبل، ولقاح الشَّجر كُلها : أن تثمر ويسقط منها ما يسقط، ويثيبت منها ما يثبت ».
قال ابن العربيِّ رحمه الله : إنما عوَّل مالكٌ على هذا التفسير على تشبيه الشجر بلقاح الجملِ، وإنَّ الولد إذا عقد وخلق ونفخ فيه من الروحُ، كان بمنزلةِ تحبب الثَّمر، وتسنبله؛ لأنه سمِّي باسم تشتركُ فيه كلُّ حاملةٍ، وهو اللِّقاحُ، وعليه جاء الحديث :


الصفحة التالية
Icon