قوله تعالى :﴿ عسى أَن يَكُونَ ﴾ يجوز أن تكون الناقصة، واسمها مستتر فيها يعود على البعث والحشر المدلول عليهما بقوَّة الكلام، أو لتضمُّنه في قوله « مَبُْعُوثُونَ » و « أنْ يَكُونَ » خبرها، ويجوز أن تكون التامة مسندة إلى « أنّ » وما في حيزها، واسم « يكون » ضمير البعث؛ كما تقدَّم.
وفي « قريباً » وجهان :
أحدهما : أنه خبر « كَانَ » وهو وصفٌ على بابه.
والثاني : أنه ظرف، أي : زماناً قريباً، و « أنْ يَكُونَ » على هذا تامة، أي : عسى أن يقع العود في زمانٍ قريبٍ.
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ﴾ : فيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من « قريباً »، إذا أعربنا « قريباً » ظرف زمان، كما تقدَّم.
والمعنى : عَسَى أن يكون يوم البعث يوم يدعوكم، أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة، كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ [ ق : ٤١ ].
الثاني : أنه منصوب ب « يكُونَ » قاله أبو البقاء. وهذا عند من يجيز إعمال الناقصة في الظرف، وإذا جعلناها تامة، فهو معمولٌ لها عند الجميع.
الثالث : أنه منصوب بضمير المصدر الذي هو اسم « يكُون » أي : عسى أن يكون العود يوم يدعوكم، وقد منعه أبو البقاء قال :« لأنَّ الضمير لا يعملُ » يعني عند البصريِّين، وأمَّا الكوفيون، فيعملون ضمير المصدر، كمظهره، فيقولون :« مُرُوري بزيدٍ حسنٌ، وهو بعمرٍو قبيحٌ » ف « بِعَمْرٍو » عندهم متعلق ب « هُوَ » لأنه ضمير المرور، وأنشدوا قول زهير على ذلك :[ الطويل ]

٣٤٣٢- ومَا الحَرْبُ إلاَّ ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُم ومَا هُو عَنْهَا بالحدِيثِ المُرجَّمِ
ف « هُوَ » ضمير المصدرِ، وقد تعلق به الجار بعده، والبصريُّون يؤوِّلونه.
الرابع : أنه منصوب بفعل مقدَّر، أي : اذكر يوم يدعوكم.
الخامس : أنه منصوبٌ بالبعث المقدر، قالهما أبو البقاء.
قوله تعالى :« بِحَمدِه » فيه قولان :
أحدهما : أنها حالٌ، أي : تستجيبون حامدين، أي : منقادين طائعين.
وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث؛ كقولك لمن تأمرهُ بعمل يشقُّ عليه : ستأتي به، وأنت حامدٌ شاكرٌ، أي : ستأتي إلى حالة تحمدُ الله وتشكر على أن اكتفى منك بذلك العمل، وهذا يذكر في معرض التهديد.
والثاني : أنها متعلقة ب « يَدْعُوكُم » قاله أبو البقاء، وفيه قلقٌ.
قوله تعالى :﴿ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ « إنْ » نافية، وهي معلقة للظنِّ عن العمل، وقلَّ من يذكر « إن » النافية، في أدواتِ تعليق هذا الباب، و « قليلاً » يجوز أن يكون نعت زمانٍ أو مصدرٍ محذوفٍ، أي : إلا زماناً قليلاً، أو لبثاً قليلاً.

فصل في معنى النداء والإجابة


المعنى :« يَوْمَ يَدْعوكم » بالنِّداء من قبوركم إلى موقف القيامة، « فتَسْتَجِيبُونَ » أي : تجيبون، والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه، وهي الإجابة، إلاَّ أنَّ الاستجابة تقتضي طلب الموافقةِ، فهي أوكد من الإجابة.


الصفحة التالية
Icon