وأجيب بأنَّ الملائكة يخافون من عذاب الله، لو اقدموا على الذنب، قال تعالى :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ] وقال تعالى :﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ﴾ [ النحل : ٥٠ ] ثم قال عزَّ وجلَّ :﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ﴾ أي من حقِّه أن يحذر، فإن لم يحذره بعض الناس لجهله، فإنَّه لا يخرج عن كونه يجب الحذر عنه.
قوله تعالى :﴿ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ في « أيُّ » هذه وجها :
أحدهما : أنها التفهامية.
والثاني : أنها موصولة بمعنى « الَّذي » وإنما كثر كلام المعربين فيها من حيث التقدير، فقال الزمخشريُّ :« وأيُّهم بدلٌ من واو » يَبْتَغُونَ « و » أيُّ « موصولة، أي : يبتغي من هو أقربُ منهم وأزلفُ، أو ضمِّن » يَبْتغُونَ الوسيلة « معنى يحرصون، فكأنه قيل : يحرصون أيهم يكون أقرب ». فجعلها في الوجه الأول موصولة، وصلتها جملة من مبتدأ وخبر، حذف المبتدأ، وهو عائدها، و « أقْرَبُ » خبرٌ. واحتملت « أيُّ » حينئذٍ أن تكون مبنية، وهو الأكثر فيها، وأن تكون معربة، وسيأتي موضعه في مريم :[ ٦٩ ] إن شاء الله تعالى وفي الثاني جعلها استفهامية؛ بدليل أنه ضمَّن الابتغاء معنى شيء تعلق، وهو يحرصون، فيكون « أيُّهُمْ » مبتدأ و « أقربُ » خبره، والجملة في محلِّ نصب على إسقاط الخافض؛ لأنَّ « تحْرِصُ » يتعدَّى ب « على » قال تعالى :﴿ إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ ﴾ [ النحل : ٣٧ ]، ﴿ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ ﴾ [ البقرة : ٩٦ ].
وقال أبو البقاء :« أيُّهُمْ » مبتدأ، و « أقْرَبُ » خبره، وهو استفهامُ في موضع نصبٍ ب « يَدْعُونَ »، ويجوز أن يكون « أيُّهُمْ » بمعنى الذي، وهو بدلٌ من الضمير في « يَدعُونَ ».
قال أبو حيان :« علَّق » يَدْعُونَ « وهو ليس فعلاً قلبيًّا، وفي الثاني فصل بين الصلة ومعمولها بالجملة الحاليَّة، ولا يضرُّ ذلك، لأنَّها معمولة للصِّلة ». قال شهاب الدين : أمَّا كون « يَدْعُونَ » لا يعلق، هو مذهب الجمهور، وقال يونس : يجوز تعليق الأفعال مطلقاً، القلبية وغيرها، وأمَّا قوله « فصل بالجملة الحالية » يعني بها « يَبْتَغُونَ » فصل بها بين « يَدْعُونَ » الذي هو صلة « الَّذينَ » وبين معموله، وهو « أيُّهم أقْرَبُ » لأنه معلَّقٌ عنه، كما عرفته، إلا أنَّ الشيخ لم يتقدَّم في كلامه إعرابُ « يَبْتغُونَ » حالاً، بل لم يعربها إلاَّ خبراً للموصول، وهذا قريبٌ.
وجعل أبو البقاء أيًّا الموصولة بدلاً من واو « يَدْعُونَ »، ولم أرَ أحداً وافقه على ذلك، بل كلُّهم يجعلونها من واو « يَبْتَغُونَ » وهو الظاهر.


الصفحة التالية
Icon