وقوله :﴿ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾، قال الأزهريُّ :« تَقُولُ العربُ لِكُلِّ ما فِي بُطونِ الأنْعَامِ، ومِنَ السَّماءِ، أو نهْرٍ يَجْري : أسْقَيْتُه، أي : جعلته شَرْباً له، وجعلتُ له منها مَسْقى لشرب أرضه أو ماشيته، فإذا كانت السُّقْيَا لِسقْيهِ، قالوا : سَقاهُ، ولم يقولوا : أسْقَاه ».
ويؤكده اختلاف القراء في قوله :﴿ نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ ﴾ [ النحل : ٦٦ ]، فقرؤا باللغتين، وسيأتي بيانهما في السورة التي بعدها، ولم يختلفوا في قوله :﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ]، وفي قوله :﴿ والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ [ الشعراء : ٧٩ ].
قال أبو علي : سَقَيْتُه حتَّى رَوِيَ، وأسْقَيتهُ نَهْراً، جعلتهُ شُرْباً، وقوله :﴿ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾ جعلناه سُقْياً لكم، وربما قالوا في « أسْقَى » سَقَى؛ كقول لبيدٍ يصفُ سحاباً :[ الوافر ]
٣٢٧٣ أقُولُ وصَوْبُهُ منِّي بَعِيدٌ | يَحُطُّ السَّيْبُ مِنْ قُللِ الجِبَالِ |
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وأسْقَى | نُمَيْراً والقَبائِلَ مِنْ هِلالِ |
٣٢٧٤ وأسْقِيهِ حتَّى كَادَ ممَّا أبُثُّهُ | تُكلِّمُنِي أحْجَارهُ ومَلاعِبُه |
واتَّصل الضميران هنا : لاختلافهما ربتة، ولو فصل ثانيهما، لجاز عند غير سيبويه وهذا كما تقدم في قوله تعالى :﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا ﴾ [ هود : ٢٨ ].
قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ جملة مستأنفة، و « لَهُ » متعلق ب « خَازِنينَ »، والمعنى : أنَّ المطر في خَزائِننِا، ولا في خَزائِنكُمْ. [ وقال سفيان : لستم بمانعين ].
قوله تعالى :﴿ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ ﴾ الآية، هاذ النَّوع السادس من دلائل التوحيد، وهو الاستدلال بالإحياء، والإماتةِ على وجودِ الإلهِ القادر المختار.
قوله :« لَنَحْنُ » يجوز أن يكون مبتدأ، و « نُحْيِي » خبره، والجملة خبر « إنا » ويجحوز أن يكون تأكيداً ل « إنَّا »، ولا يجوز أ، يكون فصلاً؛ لأ، ه لم يقع بين اسمين، وقد تقدم نظيره [ الحجر : ٩ ].
وقال أبو البقاء : لا يكون فصلاً لوجهين :
أحدهما : أن بعده فعلاً.
والثاني : أنَّ معه اللام.
قال شهابُ الدِّين رحمه الله :« الوجه الثاني : غلطٌ؛ فشإن لام التوكيد لا يمنع دخولها على الفصل، نصَّ النحاة على ذلك، ومنه قوله ﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق ﴾ [ آل عمران : ٦٢ ] ٍ، جوَّزوا فيه الفصل مع إقرانه باللام ».
فصل
من العلماءِ من حمل الأحياء على القدرِ المشتركِ بين إحياءِ النبات والحيوان، ومنهم من قال : وصف النبات بالإحياء مجاز؛ فوجب تخصيصه بإحياء الحيوان، وقوله جل ذكره :﴿ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ ﴾ يفيد الحصر، أي : لا قدرة على الإحياء والإماتة إلا لنا، « ونَحْنُ الوَارثُونَ » إذا مات جميع الخلائق، فحينئذٍ يزول الملك كلِّ أحدٍ، ويكون الله سبحانه هو الباقي المالك لكلِّ المملوكات، وحده لا شريك له، فكان شبيهاً بالإرثِ.