﴿ قُلْ ياأيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [ الكافرون : ١، ٢ ]. ﴿ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [ القلم : ٩ ].
وعرضوا عليه الأموال الكثيرة، والنِّسوان الجميلة؛ ليترك غدِّعاء النبوة، فأنزل الله - تعالى - :﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ ﴾ [ طه : ١٣١ ].
ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه، فأنزل الله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ].
ودعوه إلى طرد الذين يدعون ربَّهم، فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب، وذلك أنَّهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه، وأن يزيلوه عن منهجه، فبيَّن الله - تعالى - أنَّه يثبته على الدِّين القويمِ، والمنهج المستقيم، وعلى هذا الطريق، فلا حاجة في تفسير هذه الآيات إلى شيءٍ من تلك الرِّوايات.
قوله تعالى :﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ :« إنْ » هذه فيها لمذهبان المشهوران : مذهب البصريين : أنها مخففة، واللام فارقة بينها وبين طإن « النافية، ولهذا دخلت على فعلٍ ناسخٍ، ومذهب الكوفيين أنها بمعنى » ما « النافية، واللام بمعنى » إلاَّ « وضمِّن » يَفْتِنُونَكَ « معنى » يَصْرفُونكَ « فلهذا عدِّي ب » عَنْ « تقديره : ليصرفونك بفتتنتهم، و » لِتَفْترِي « متعلق بالفتنة.
قوله :﴿ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ ﴾ » إذَنْ « حرف جواب وجزاء؛ ولهذا تقع أداةُ الشرط موقعها، و » لاتَّخذُوكَ « جواب قسمٍ محذوفٍ، تقديره : إذن، والله لاتخذوك، وهو مستقبل في المعنى؛ لأنَّ » إذَنْ « تقتضي الاستقبال؛ إذ معناها المجازاة، وهو كقوله :﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ ﴾ [ الروم : ٥١ ] أي : ليظلنَّ، وقول الزمخشريِّ :» أي : ولو اتَّبعتَ مرادهم، لاتَّخذوكَ « تفسير معنى، لا إعرابٍ، لا يريد بذلك أنَّ » لاتَّخَذُوك « جوابٌ ل » لو « محذوفة؛ إذ لا حاجة إليه.
فصل في معنى الآية
قال الزجاج : معنى الكلام : كادوا يفتنونك، ودخلت » إنْ « و » اللام « للتأكيد، و » إنْ « مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.
والمعنى : الشَّأن أنَّهم قاربوا أن يفتنوك، أي : يخدعوك فاتنين، وأصل الفتنة : الاختبار.
يقال : فتن الصَّائغُ الذَّهب، إذا أدخلهُ النَّار، وأذابهُ؛ ليميِّز جيِّده من رديِّيه، ثم استعمل في كلِّ ما أزال الشيء عن حدِّه وجهته، فقالوا : فتنة، فقوله تعالى :﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾. أي : يزيلونك، ويصرفونك عن الذي أوحينا إليك، وهو القرآن، أي : عن حكمه؛ وذلك لأنَّ في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن.
وقوله :﴿ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾ أي غير ما أوحينا إليك، وقوله :﴿ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ أي لو فعلت ذلك ما أرادوا لاتخذوك خليلا، وأظهروا للناس أنك موافق لهم على كفرهم وراضٍ بشركهم، ثم قال :﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ﴾ يعني على الحق، بعصمتنا إياك ﴿ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ﴾ أي تميل إليهم شيئاً قليلاً.