٣٤٦٠- حتَّى إذا مَا التَأمَتْ مَفاصِلُه ونَاءَ في شقِّ الشِّمالِ كَاهِلُه
والثاني : أنه مقلوبٌ من « نَأى »، ووزنه « فَلعَ » كقولهم في « رَأى » :« رَاءَ » إلى غير ذلك فيكونان بمعنى، ولكن متى أمكن عدم القلب، فهو أولى، وهذا الخلافُ أيضاً في حم السجدة [ فصلت : ٥١ ].
وأمال الألف إمالة محضة الأخوان، وأبو بكرٍ، عن عاصمٍ، وبين بين؛ بخلاف عنه، السوسيُّ، وكذلك في فصِّلت، إلا أبا بكرٍ؛ فإنه لم يمله.
وأمال فتحة النون في السورتين خلفٌ، وأبو الحارث والدُّوري عن الكسائيِّ.
ثم قال :﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الشر ﴾، أي : الشِّدة، والضر ﴿ كَانَ يَئُوساً ﴾ أيساً قنوطاً.
وقيل : معناه : أنَّه يتضرَّع، ويدعو عند الضُّرِّ والشدَّة، فإذا تأخَّرت الإجابة، أيس، ولا ينبغي للمؤمن أن يَيْئَسَ من الإجابة، وإن تأخَّرت، فيدع الدعاء.
قوله تعالى :﴿ على شَاكِلَتِهِ ﴾ : متعلق ب « يَعْمَلُ »، والشَّاكلةُ : أحسنُ ما قيل فيها ما قاله الزمخشريُّ والزجاج : أنها مذهبه الذي يشاكلُ حاله في الهدى والضلالة؛ من قولهم :« طريقٌ ذو شَواكلَ »، وهي الطرقُ التي تَشعَّبتْ منه؛ والدليل عليه قوله تعالى :﴿ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً ﴾، وقيل : على دينه، وقيل : خلقه، وقال ابن عباسٍ :« جانبه » وقال الحسن، وقتادة : على نيَّته. وقال الفراء :« على طَريقتهِ، والمذهب الذي جبل عليه ».
[ وهو ] من « الشَّكلِ » وهو المثل؛ يقال : لست على شكْلِي، ولا شَاكلتي، وأمَّا « الشَّكلُ » بالكسر فهو الهيئة؛ يقال : جاريةٌ حسنة الشِّكلِ، وقال امرؤ [ القيس ] في « الشَّكل » بالفتح :[ الكامل ]
٣٤٦١- حَيِّ الحُمولَ بِجانبِ العَزْلِ إذْ لا يُلائِمُ شَكلُهَا شَكْلِي
أي : لا يلائم مثلها مثلي.
قال ابن الخطيب : والذي يقوى عندي : أنَّ المراد من المشاكلة ما قاله الزجاج، والزمخشريُّ؛ لقوله بعد ذلك :﴿ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٨٤ ].
وفيه وجه آخر : وهو أنَّ المراد : أن كلَّ أحد يفعل على وفق ما يشاكله جوهر نفسه، ومقتضى روحه، فإن كانت مشرقة، ظاهرة، علوية، صدرت منه أفعالٌ فاضلةٌ، وإن كانت نفسه كدرة خبيثة [ مضلَّةً ظُلمانيَّة، صدرت عنه أفعال خسيسة ] فاسدةٌ.
وأقول : اختلف العقلاء في أنَّ النفوس الناطقة البشريَّة، هل هي مختلفةٌ بالماهيَّة، أم لا؟.
منهم من قال : إنَّها مختلفةٌ بالماهيَّة، وإنَّ اختلاف أحوالاه وأفعالها لاختلاف امزجتها.
والمختار عندي : هو القسم الأوَّل، والقرآن يشعر به؛ لأنه تعالى بيَّن في الآية المتقدمة : أنَّ القرآن بالنِّسبة إلى البعض يفيد الشِّفاء، والرحمة، وبالنِّسبة إلى الآخرين يفيد الخسار، والخزي، ثم أتبعه بقوله :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾.
ومعناه : أن اللائق بتلك النُّفوس أن يظهر فيها القرآن الخير وآثار لاذكاء والكمال وبتلك النفوس الكدرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الخزي والضلال كما أن الشمس تعقد الملح وتلين الدهن وتبيض ثوب القصار، وتسوِّد وجهه، وهذا الكلام لا يتم المقصود به، إلاَّ إذا كانت الأرواح والنفوس مختلفة ماهيَّاتهان فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن آثار الخزي والضلال كما أن الشمس تعقد الملح وتلين الدهن وتبيض ثوب القصار، وتسوِّد وجهه، وهذا الكلام لا يتم المقصود به، إلاَّ إذا كانت الأرواح والنفوس مختلفة ماهيَّاتها، فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نورٌ على نورٍ، وبعضها كدرةٌ ظلمانية، ويظهر فيها من القرآن ضلال عل ضلالٍ، ونكالٌ على نكالٍ. قوله :« أهْدَى » يجوز أن يكون من « اهْتدَى » ؛ على حذف الزوائد، وأن يكون من « هَدَى » المتعدِّي، وأن يكون من « هَدَى » القاصر، بمعنى « اهتدى ». وقوله « سَبِيلاً » تمييزٌ.
[ والمعنى :] فربُّكم أعلم بمن هو أوضح طريقاً.


الصفحة التالية
Icon