ثم قال للملائكة :﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾، فخلقه الله بيده؛ لئلا يتكبَّر إبليس عليه، لقوله الله تعالى : أتتكبَّر على ما علمت بيدي، ولم أتكبر أنا عليه؟.
فخلقه فكان جسداً من طينٍ أربعين عاماً، فلما رأتهُ الملائكة، فزعوا منه، وكان أشدَّهم منه فزعاً إبليسُ فكان يمرُّ به، فيضربه؛ فيصوتُ الجسدُ كما يصوتُ الفخَّار، وتكون له صلصلةٌ؛ فذلك قوله :﴿ مِن صَلْصَالٍ كالفخار ﴾ [ الرحمن : ١٤ ]، ويقول : لأمر ما خلقت! ويدخل في فيه، ويخرج من دبره، ويقول للملائكة : لا ترهبوا منه؛ فإنه أجوف، ولئن سُلِّطت عليه، لأهلكنَّه، فلمَّا نفخ فيه الروح، ووصل إلى رأسه، عطس، فقالت الملائكة عليه السلام : قُل : الحمد لله، فقال : الحمد لله، فقال الله له : رحمك ربُّك، فلما دخل الروح في عينيه، نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروحُ جوفه، اشتهى الطعام؛ فوثب قبل أن تبلغ الورح رجليه؛ عجلان إلى ثمار الجنَّة، فذلك قوله تعالى :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾ [ الأنبياء : ٣٧ ].
قوله تعالى :﴿ مِن صَلْصَالٍ ﴾، « مِنْ » : لابتداء الغاية، أو للتبعيضن، والصلصالُ : قال أبو عبيده هو الطين المختلط بالرمل، ثم يجفُّ؛ فسمع له صلصلةٌ، أي : تصويت، قال : والصلصلةُ : الصَّوتُ؛ وأنشدوا :[ الكامل ]

٣٢٧٥ شَرِبَتْ أسَاوِيُّ القُطاةِ مِنَ الكَدرْ وسَرَتْ فَتَرْمِي أحْيَاؤهَا بِصَلاصِلِ
أراد : صوتَ أجْنحَةِ أفراخِهَا، حين تطيرُ، أو أصواتَ أفراخها.
وقال الزمخشريُّ :« الطِّينُ اليابس الذي يُصلصِلُ من غير طبخٍ، فإذا طبخ، فهو فخار ».
وقال أبو الهيثم :« هو صوتُ اللِّجامِ، وما أشبهه؛ كالقعقعة في الثوب ».
وقال الزمخشري أيضاً : قالوا : إذا توهَّمت في صوته مدًّا، فهو صليلٌ، وإن توهمت فيه خفاءً، فهو صلصلةٌ، وقيل : هو من تضعيف « صَلَّ »، إذا أنتن أنتهى.
و « صَلْصَالٍ » هنا، بمعنى مُصَلْصِل؛ كزَلْزالٍ، بمعنى مُزَلْزِل، ويكون « فَعْلال » أيضاً مصدراً، ويجوز كسره أيضاً، وفي هذا النَّوع، أي : ما تكررت فاؤه، وعينه خلافٌ.
فقيل : وزنه : فَعْفَع؛ كُرِّرتِ الفاء والعين، ولا لام للكلمة؛ قاله الفراء، وغيره. وهو غلطٌ؛ لأنَّ أقلَّ الأصول ثلاثة : فاءٌ، وعينٌ، ولامٌ.
والثاني : أنَّ وزنه « فَعْفَل : ؛ وهو قول الفرَّاء.
الثالث : أنه »
فَعَّل « بتشديد العين، وأسله » صَلَّل « فلما اجتمع ثلاثة أميالٍ، أبدل الثاني من مجنس فاء الكلمة، وهومذهب كوفيٌّ، خصَّ بعضهم هذا لخلاف بما إذا لم يختل المعنى، بسقوطِ الثالث، نحو » لَمْلَمَ « و » كَبْكَبَ « فإنَّك تقول فيهما :» لَمَّ «، و » كَبَّ «، فول لم يصحَّ المعنى بسقوطه؛ نحو : سَمْسَمَ »، قال : فلا خلافَ في أصالة الجميع.


الصفحة التالية
Icon