و « يَنْبُوعاً » مفعول به، ووزنه « يَفعُولٌ » ؛ لأنه من النَّبعِ، واليَنبُوعُ : العين تفور من الأرض.

فصل فيما يثبت صدق النبوة


اعلم أنَّه تعالى لمَّا بيَّن بالدليل كون القرآن معجزاً، وظهر هذا المعجز على وفق دعوى محمد ﷺ، فحينئذٍ : تمَّ الدليل على كونه نبيًّا صدقاً؛ لأنَّا نقول : إن محمداً ﷺ ادَّعى النبوة، وأظهر المعجزة على وفق دعواه، وكلُّ من كان كذلك، كان نبيًّا صادقاً؛ فهذا يدلُّ على أنَّ محمداً ﷺ صادقٌ، وليس من شرط كونه نبيًّا صادقاً تَواترُ المعجزات الكثيرة، وتواليها؛ لأنَّا لو فتحنا هذا الباب، للزم ألاَّ ينقطع فيه، وكلما أتى الرَّسُول - ﷺ - بمعجز، اقترحوا عليه معجزاً آخر، ولا ينتهي الأمر فيه إلى حدِّ ينقطع عنده عناد المعاندين؛ لأنَّه تعالى حكى عن الكفَّار : أنهم بعد أن ظهر كون القرآن معجزاً، التمسُوا من الرسُول - ﷺ - ستَّة أنواعٍ من المعجزات الباهرات، كما روى عكرمة، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - « أنَّ رؤساء أهل مكَّة، سألوا رسول الله ﷺ وهم جلوسٌ عند الكعبة، فقالوا : يا محمد، إنَّ أرض مكَّة ضيقةٌ، فسير جبالها؛ لننتفع فيها، وفجِّر لنا ينبوعاً، أي : نهراً، وعيوناً نزرع فيها، فقال :» لا أقدر عليه «.
فقال قائلٌ منهم : أو يكون لك جنّة من نخيل وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً، فقال :»
لا أقْدرُ عَليْهِ « فقيل : أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ، اي : من ذهبٍ، فيُغْنِيكَ عَنَّا، فقال :» لا أقدِرُ عَليْهِ « فقيل له : أما تَسْتطِيعُ أن تَأتي قوْمكَ بِمَأ يسْألُونكَ؟ فقال : لا أسْتطِيعُ، فقالوا : فإذا كنت لا تَسْتطِيعُ الخير، فاسْتطعِ الشَّر، فأرسل السَّماء؛ كما زَعمْتَ، عَليْنَا كِسَفاً ».
قرأ العامة « تُسْقِطَ » بإسناد الفعل للمخاطب، و « السَّماء » مفعول بها، ومجاهد على إسناده إلى « السَّماء » فرفعها به.
وقرأ نافع، و ابن عامرٍ، وعاصم « كِسَفاً » هنا، بفتح السِّين، وفعل ذلك حفصٌ في الشعراء [ الآية : ١٨٧ ] وفي سبأ [ الآية : ٩ ]، والباقون يسكنونها في المواضع الثلاثة، وقرأ ابن ذكوان بسكونها في الروم [ الآية : ٤٨ ] ؛ بلا خلافٍ، وهشام عنه الوجهان، والباقون بفتحها.
فمن فتح السين، جعله جمع كسفةٍ؛ نحو : قِطعَةٍ وقِطَع، وكِسْرةٍ وكِسرٍ، ومن سكَّن، جعله جمع كسفة أيضاً على حدِّ : سِدْرةٍ وسِدْرٍ، وقِمْحَةٍ وقِمَحٍ.
وجوَّز أبو البقاء فيه وجهين آخرين :
أحدهما : أنه جمعٌ على « فَعَلٍ » بفتح العين، وإنما سكِّن تخفيفاً، وهذا لا يجوز؛ لأنَّ الفتحة خفيفة يحتملها حرف العلة، حيث يقدر فيه غيرها، فكيف بالحرف الصحيح؟.


الصفحة التالية
Icon