قوله تعالى :﴿ نَّقْرَؤُهُ ﴾ يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون نعتاً ل « كتاباً ».
والثاني : أن يكون حالاً مِنْ « نَا » في « عَليْنَا » ؛ قاله أبو البقاء، وهي حال مقدرة؛ لأنهم إنما يقرؤونه بعد إنزاله، لا في حال إنزاله.

فصل في سبب نزول الآية


قال المفسرون : لمّا قال المشركون :﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا ﴾ الآيات، قام رسول الله ﷺ وقام معهُ عبدُ الله بن أميَّة، وهو ابنُ عمَّته عاتكة بنت عبد المطلب، فقال : يا محمد، عرض عليك قومُك ما عرضُوا، فلم تقبلهُ منهم، ثمَّ سألوكَ لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله تعالى، فلم تفعل، ثمَّ سألوك أن تعجِّل ما تُخوِّفهم به، فلم تفعل، فوالله لا أومن بك حتَّى تتَّخذ إلى السَّماء سلَّماً ترقى فيه، وأنا أنظر حتَّى تأتيها، وتنزل بنُسخةٍ منشورةٍ، ومعك نفرٌ من الملائكةِ يشهدون لك بما تقولُ. وأيم الله، لو فعلت ذلك، لظننتُ أنِّي لا أصدِّقك، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسل حزيناً لما يرى من مباعدتهم.
ثم قال تعالى : قل، يا محمد :﴿ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ﴾ أمره بتنزيهه، وتمجيده، أي : أنَّه لو أراد أن ينزل ما طلبوا، فلعل، ولكن لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر.
واعلم أنَّه تعالى قد أعطى النبي ﷺ من الآياتِ والمعجزات ما يغني عن هذا كلِّه مثل القرآن، وانشقاق القمر، وتفجير العيون من بين الأصابع، وما أشبهها، والقوم عامَّتهم كانوا متعنِّتين، لم يكن قصدهم طلب الدَّليل؛ ليؤمنوا، فردَّ الله عليهم سؤالهم.
قوله :﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي ﴾ قرأ ابن كثير، وابن عامرٍ « قال » فعلاً ماضياً؛ إخباراً عن الرسول - ﷺ - بذلك، والباقون « قُلْ » على الأمر أمراً منه تعالى لنبيه ﷺ بذلك، وهي مرسومة في مصاحف المكيين والشاميين :« قال » بألف، وفي مصاحف غيرهم « قل » بدونها، فكل وافق مصحفه.
قوله :﴿ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ﴾ يجوز أن يكون « بَشَراً » خبر « كُنْتُ » و « رَسُولاً » صفته، ويجوز أن يكون « رَسُولاً » هو الخبر، و « بَشَراً » حال مقدمة عليه.

فصل في استدلالهم بهذه الآية


استدلُّوا بهذه الآية على أن المجيء على الله والذهاب محالٌ؛ لأنَّ كلمة « سبحان » للتنزيه عمَّا لا ينبغي.
فقوله :﴿ سُبْحَانَ رَبِّي ﴾ : تنزيه لله تعالى عن شيءٍ لا يليقُ به، وذلك تنزيهُ الله عما نسب إليه ممَّا تقدَّم ذكره، وليس فيما تقدَّم ذكره شيء مما لا يليقُ بالله إلا قولهم : أو تأتي بالله، فدلَّ على أنَّ قوله :« سُبحانَ ربِّي » تنزيهٌ لله تعالى أن يتحكَّم عليه المتحكِّمون في الإتيان، والمجيء؛ فدلَّ ذلك على فساد قول المشبهة.


الصفحة التالية
Icon