قوله :﴿ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ﴾.
قال ابن قتيبة : زدناهم تلهُّباً.
فإن قيل : إنه تعالى لا يخفف عنهم العذاب. وقوله :﴿ كُلَّمَا خَبَتْ ﴾ يدلُّ على أنَّ العذاب محققٌ في ذلك الوقت.
فالجواب : أن قوله « كُلَّما خَبَتْ » يقتضي سكون لهب النار، أما أنه يدل على تخفيف العذاب، فلا؛ لأنَّ الله تعالى قال :﴿ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ﴾ [ الزخرف : ٧٥ ].
وقيل : معناه :« كلَّما خبت » [ أي :] كلما أرادت أن تخبو ﴿ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ﴾ أي : وقوداً.
وقيل : المراد من قوله :﴿ كُلَّمَا خَبَتْ ﴾ أي : نضجت جلودهم، واحترقت، أعيدوا إلى ما كانوا عليه.
قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ ﴾ يجوز أن يكون مبتدأ وخبراً، و « بأنهم » متعلق بالجزاء، أي :« ذلك العذاب المتقدم جزاؤهم بسبب أنَّهم » ويجوز أن يكون « جَزاؤهُمْ » مبتدأ ثانياً، والجار خبره، والجملة خبر « ذلك »، ويجوز أن يكون « جَزاؤهُمْ » بدلاً، أو بياناً، و « بِأنَّهُم » الخبر.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ العمل علَّة الجزاءِ.
قوله :﴿ وَقَالُواْ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾.
لمَّا أجاب عن شبهات منكري النبوة، عاد إلى حكاية شبهة منكري المعاد.
وتلك الشبهة : هي أنَّ الإنسان بعد أن يصير رفاتاً، ورميماً، يبعد أن يعود هو بعينه، فأجاب الله عنه : بأنَّ من بدر على خلق السموات والأرض في عظمتها وشدَّتها قادر على أن يخلق مثلهم في سغرهم، وضعفهم؛ نظيره قوله تعالى :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ﴾ [ غافر : ٧٥ ].
وفي قوله :﴿ قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴾ قولان :
الأول :[ معناه ] قادر على أن يخلقهم ثانياً، فعبَّر عن خلقهم بلفظ « المثل » ؛ كقوله المتكلِّمين : إنَّ الإعادة مثل الابتداء.
والثاني : قادر على أن يخلق عبيداً آخرين يوحِّدونه، ويقرُّون بكمال حكمته وقدرته، ويتركون هذه الشبهات الفاسدة؛ وعلى هذا، فهو كقوله تعالى :﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٩ ] وقوله :﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ [ التوبة : ٣٩ ].
قال الواحديُّ : والأول أشبه بما قبله.
ولمَّا بيَّن الله تعالى بالدَّليل المذكور : أنَّ البعث يمكنُ الوجود في نفسه، أردفه بأنَّ لوقوعه ودخوله في الوجود وقتاً معلوماً عند الله تعالى؛ وهو قوله :﴿ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ أي : جعل لهم وقتاً لا ريب فيه، ﴿ فأبى الظالمون إَلاَّ كُفُوراً ﴾ أي : الظالمون إلا الكفر والجحود.
قوله :﴿ وَجَعَلَ لَهُمْ ﴾ : معطوف على قوله « أو لَمْ يَروْا » ؛ لأنه في قوة : قد رأوا، فليس داخلاً في حيِّز الإنكار، بل معطوفاً على جملته برأسها.
وقوله :﴿ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ صفة ل « أجلاً »، أي : أجلاً غير مرتابٍ فيه، فإن أريد به يوم القيامة، فالإفرادُ واضحٌ، وإن أريد به الموت، فهو اسم جنسٍ؛ إذ لكلِّ إنسانٍ أجلٌ يخصه.
وقوله :﴿ إَلاَّ كُفُوراً ﴾ قد تقدَّم.


الصفحة التالية
Icon