اعلم أنَّ الكفار، لما قالوا : لن نؤمن لك؛ حتَّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً وطلبوا إجراء الأنهارِ، والعيون في بلدهم لتكثر أموالهم؛ بين أنَّهم لو ملكوا خزائن رحمة الله، لبقوا على بخلهم وشحهم، ولا أقدموا على إيصال النفع إلى أحدٍ، وعلى هذا التقدير : فلا فائدة في إسعافهم لما طلبوه.
قوله :﴿ لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ ﴾ : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها :- وإليه ذهب الزمخشري، والحوفي، وابن عطيَّة، وأبو البقاء، ومكيٌّ- : أن المسألة من باب الاشتغال، ف « أنْتُمْ » مرفوع بفعلٍ مقدر يفسِّره هذا الظاهر، لأنَّ « لَوْ » لا يليها إلا الفعل، ظاهراً أو مضمراً، فهي ك « إنْ » في قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين ﴾ [ التوبة : ٦ ]، وفي قوله :
٣٤٧٠- وإنْ هُوَ لمْ يَحْمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمهَا | فَليْسَ إلى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبيلُ |
٣٤٧١- « لوْ ذَاتُ سِوارٍ لطَمتْنِي »... برفع « ذَاتُ » وقول المتلمِّس :
٣٤٧٢- ولَوْ غَيْرُ أخْوالِي أرادُوا نَقِيصَتِي | ....................... |
الثاني : أنه مرفوع ب « كَانَ » وقد كثر حذفها بعد « لو » والتقدير : لو كنتم تملكون، فحذف « كَانَ »، فانفصل الضمير، و « تَمْلكُونَ » في محلِّ نصبٍ ب « كَانَ » المحذوفةِ، وهو قولُ ابن الصائغ؛ وقريبٌ منه قوله :[ البسيط ]
٣٤٧٣- أبَا خُرَاشةَ أمَّا أنْتَ ذَا نَفرٍ | ...................... |
الثالث : أنَّ « أنتم » توكيدٌ لاسم « كانَ » المقدر معها، والأصل « لَوْ كُنتمْ أنْتُم تَمْلكُونَ » فحذفت « كَانَ » واسمها، وبقي المؤكِّدُ، وهو قول ابن فضالٍ المجاشعيِّ، وفيه نظرٌ؛ من حيث إنَّا نحذف ما في التَّوكيد، وإن كان سيبويه يجيزه.
وإنما أحوج هذين القائلين إلى ذلك : كون مذهب البصريِّين في « لَوْ » أنَّه لا يليها إلاَّ الفعل ظاهراً، ولا يجوز عندهم أن يليها مضمراً مفسَّراً إلاَّ في ضرورة، أو ندور، كقوله :« لَو ذَات سوارٍ لطَمتْنِي »، فإن قيل : هذان الوجهان أيضاً فيهما إذمار فعلٍ، قيل : ليس هو الإضمار المعنيَّ؛ فإنَّ الإضمار الذي أبوه هو على شريطة التفسير في غير « كان »، وأمَّا « كان » فقد كثر حذفها بعد [ « لو » ] في مواضع كثيرة، وقد وقع الاسم الصَّريحُ بعد « لَوْ » غير مذكور بعده فعلٌ؛ وأنشد الفارسيُّ :[ الرمل ]