قوله تعالى :﴿ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ :[ يجوز في « بَيِّنات » ] النصب صفة للعدد، والجر صفة للمعدود.
قوله :« إذْ جَاءهُمْ » فيه أوجهٌ :
أحدها : أن يكون معمولاً ل « آتيْنا » ويكون قول÷ « فاسْألْ بَنِي إسْرائيلَ » اعتراضاً، وتقديره : ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيِّناتٍ؛ إذ جاء بني إسرائيل، فسألهم، وعلى هذا التقدير : فليس المطلوبُ من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود بقول علمائهم صدق ما ذكره الرسول ﷺ فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد.
والثاني : أنه منصوب بإضمار اذكر.
والثالث : أنه منصوبٌ ب « يُخْبرُونكَ » مقدراً.
الرابع : أنه منصوب بقولٍ مضمرٍ؛ إذ التقدير : فقلنا له : سل بني إسرائيل حين جاءهم، ذكر هذه الأوجه الزمخشري مرتبة على مقدمة ذكرها قبلُ [ قال :] فاسْأَلْ بنِي إسْرائيلَ، أي : فقلنا له : اسأل بني إسرائيل، أي : اسْألهُم عن فرعون، وقل له : أرسل معي بني إسرائيل، أو اسألهم عن إيمانهم، وحال دينهم، أو اسألهم أن يعاضدوك. ويدل عليه قراءة رسول الله « فَسَألَ » على لفظ الماضي، بغير همزٍ، وهي لغة قريشٍ.
وقيل : فَسلْ، يا رسول الله، المُؤمنَ من بني إسرائيل؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات؛ ليزدادوا يقيناً وطمأنينة؛ كقوله :﴿ وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ] [ ثم قال :] فإن قيل بم تعلق « إذْ جَاءهُمْ » ؟ فالجواب :
أمَّا على الوجه الأول : فبالقول المحذوف، [ أي ] : فقلنا له، سلهم حين جاءهم، أو ب « سَالَ » في القراءة الثانية، وأمَّا على الآخر فب « آتَيْنَا » أو بإضمار « اذكر » أو ب « يُخْبرونَكَ » ومعنى « إذْ جَاءهُمْ » « إذ جاء آباءهم »، انتهى.
قال أبو حيان :« لا يتأتَّى تعلقه ب » اذْكُر « ولا ب » يُخْبرُونَكَ « ؛ لأنه ظرف ماضٍ ».
قال شهاب الدين : إذا جعله معمولاً ل « اذْكُر »، أو ل « يُخْبرُونكَ » لم يجعله ظرفاً، بل مفعولاً به، كما تقرَّر مراراً.
الوجه الخامس : أنه مفعول به، والعامل فيه « فَسلْ ».
قال أبو البقاء :« فيه وجهان :
أحدهما : هو مفعول به ب » اسْألْ « على المعنى إذ التقدير : اذكر لبني إسرائيل؛ إذ جاءهم، وقيل : التقدير : اذكر إذا جاءهم وهي غير » اذكُر « الذي قدَّرت به » اسْأل « »، يعني : أن « اذكر » المقدرة غير « اذكُر » التي فسَّرت « اسألْ » بها؛ وهذا يؤيِّد ما تقدَّم من أنهم، إذا قدروا « اذكُر » جعلوا « إدْ » مفعولاً به، لا ظرفاً.