قال ابن الخطيب : والاختيار عند الأئمة :« فَرقْنَاهُ » بالتخفيف، وفسَّره أبو عمرو : بيَّناه.
قال ابو عبيدة : التخفيف أعجبُ غليَّ؛ لأنَّ معناه : بينَّاه، ومن قرأ بالتشديد، لم يكن له معنًى إلا أنه أنزل متفرِّقاً، [ فالتفرُّق ] يتضمَّن التَّبيين، ويؤكِّده ما رواه ثعلبٌ عن ابن الأعرابيِّ أنه قال : فَرقتُ، أو أفْرَقتُ بين الكلامِ، وفرَّقتُ بين الأجسامِ؛ ويدلُّ عليه قوله ﷺ :« البَيِّعانِ بالخِيَارِ، ما لمْ يتفرَّقا » ولم يقل :« يَفْترِقَا ».
فصل في نزول القرآن مفرقاً
قال ابن الخطيب : إنَّ القوم قالوا : هَبْ أنَّ هذا القرآن معجز، إلا أنه بتقدير أن يكون الأمر كذلك، فكان من الواجب أن ينزله الله عليك دفعة واحدة؛ ليظهر فيه وجه الإعجاز؛ فجعلوا إتيان الرسول به مفرَّقاً شبهة في أنَّه يتفكَّر في فصل فصل، ويقرؤه عليهم، فأجاب الله عن ذلك أنه إنَّما فرَّقه ليكون حفظه أسهل؛ ولتكون الإحاطة والوقوف على دلائله، وحقائقه، ودقائقه أكمل.
قال سعيد بن جبير : نزل القرآن كلُّه في ليلة القدر من السَّماء العليا إلى السَّماء السفلى، ثم فصل في السِّنين التي نزل فيها، ومعنى الآية : قطَّعناه آية آية، وسورة وسورة.
قوله :« لتَقْرَأهُ » متعلق ب « فَرقْنَاهُ »، وقوله « عَلَى مُكْثٍ » فيه ثلاثةُ أوجه :
الأول : أنه متعلِّق بمحذوفٍ، على أنه حالٌ من الفاعل، أو المفعول في « لتَقْرَأهُ »، أي : متمهِّلاً مترسِّلاً.
الثاني : أنه بدلٌ من « عَلَى النَّاس » قاله الحوفيُّ، وهو وهمٌ؛ لأنَّ قوله « عَلى مُكثٍ » من صفاتِ القارئ، أو المقرُوءِ من وجهة المعنى، لا من صفات الناس؛ حتى يكون بدلاً منهم.
الثالث : أنه متعلق ب « فَرقنَاهُ ».
قال ابو حيان :« والظاهر تعلق » عَلى مُكثٍ « بقوله » لتَقْرأهُ «، ولا يبالى بكون الفعل يتعلق به حرفا جر من جنسٍ واحدٍ؛ لأنه اختلف معنى الحرفين؛ لأن الأول في موضع المفعول به، والثاني في موضع الحال، أي : متمهِّلاً مترسلاً ».
قال شهاب الدين : قوله أولاً : إنه متعلق بقوله « لِتقْرَأهُ » : ينافي قوله في موضع الحال، لأنه متى كان حالاً، تعلق بمحذوفٍ، لا يقال : أراد التعلق المعنوي، لا الصناعي؛ لأنه قال : ولا يبالى بكون الفعل يتعلق به حرفا جرٍّ من جنسٍ واحد، وهذا تفسير إعراب، لا تفسير معنى.
والمُْثُ : التَّطاولُ في المدة، وفيه ثلاثة لغات : الضمُّ، والفتح - ونقل القراءة بهما الحوفيُّ، وأبو البقاء - والكسر، ولم يقرأ به فيما علمتُ، وفي فعله الفتح والضمُّ وسيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى في النَّمل [ الآية : ٢٢ ] ومعنى « عَلى مُكْثٍ » أي على تؤدةٍ، وترسُّل في ثلاثٍ وعشرين سنة ﴿ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ﴾ على الحدِّ المذكور.