فصل
والمعنى : أيًّا ما تدعوا، فهو حسنٌ؛ لأنه إذا حسنت أسماؤه، فقد حسن هذان الاسمان؛ لأنهما منها، ومعنى حسن أسماء الله كونها مفيدة لمعاني التَّمجيد والتَّقديس.
واحتجَّ الجبائي بهذه الآية، فقال : لو كان تعالى خالقاً للظُّلم، والجور، لصحَّ أن يقال : يا ظالمُ، حينئذٍ : يبطل ما ثبت بهذه الآية من كون أسمائه بأسرها حسنة.
والجواب : أنَّا لا نسلِّم أنه لو كان خالقاً لأفعال العباد، لصحَّ وصفه بأنَّه ظالمٌ، وجائرٌ، كما لا يلزم من كونه خالقاً للحركة والسكون، والسواد، والبياض أن يقال : ما متحرك، ويا ساكن، ويا أبيض، ويا أسود.
فإن قيل : فيلزم أن يقال : يا خالق الظُّلم والجور.
تقولون : ذلك حقٌّ في نفس الأمر، وإنَّما الأدب أن يقال : يا خالق السَّموات والأرض، فكذا قولنا ها هنا.
ثمَّ قال تعالى :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾.
وروى سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبَّاس في هذه الآية، قال : كان رسول الله ﷺ يرفعُ صوته بالقراءة، فإذا سمعه المشركون سبُّوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فأنزل الله تعالى :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾، أي : بقراءتك، أي : فيسمعك المشركون؛ ليسبُّوا القرآن، ويسبُّوا الله عدواً بغير علم.
قوله :﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ فلا يسمعك أصحابك.
قوله :﴿ وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً ﴾.
روى أبو قتادة « أنّ النبي ﷺ طاف باللَّيل على دور أصحابه؛ فكان أبو بكرٍ يخفي صوته بالقراءة، وكان عمر يرفعُ صوته، فلما جاء النَّهار، وجاء أبو بكرٍ وعمر، فقال النبيُّ ﷺ : هِيَ لَكَ، مَررْتُ بِكَ، وأنْتَ تَقْرأ، وأنْتَ تخفضُ من صَوتِكَ، فقال : إنِّي سَمِعتُ من نَاجَيتُ، قَالَ : فَارفَعْ قليلاً، وقَالَ لِعُمرَ : مَررْتُ بِكَ، وأنْتَ تَقْرَأ، وأنْتَ تَرْفَعُ مِنْ صَوْتِكَ، فقال : إنِّي أوقظُ الوسْنانَ، وأطردُ الشَّيطَانَ، فقال : اخْفِضْ قليلاً ».
وقيل : المراد ( ولا تجهر بصلاتك كلها )، ولا تخافت بها كلها ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) بأن تجهر بصلاة الليل، وتخافت بصلاة النَّهار.
وقيل : الآية في الدعاء، وهو قول أبي هريرة، وعائشة، والنخعيِّ، ومجاهدٍ، ومكحولٍ، وروي مرفوعاً إلى النبي ﷺ قال في هذه الآية، قال : إنَّما ذلِكَ في الدُّعاءِ والمسالة.
قال عبد الله بن شدَّادٍ : كان أعرابٌ من بني تميم، إذا سلَّم النبي ﷺ قالوا : اللهم ارزقنا مالاً وولداً يجهرون، فأنزل الله هذه الآية :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾.