قوله :﴿ إِذْ أَوَى ﴾ : يجوز أن ينتصب ب « عَجَباً » وأن ينتصب ب « اذْكُرْ » ؛ لأنه لا يجوز أن يكون « إذْ » ههنا متعلقاً بما قبله على تقدير « أمْ حَسِبْتَ » ؛ لأنَّه كان بين النبي ﷺ وبينهم مدة طويلة، فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف، بل يتعلق بمحذوفٍ.
والتقدير : اذكر إذ أوى الفتيةُ إلى الكهف، والمعنى صاروا إليه، وجعلوهُ مأواهم، فقالوا :﴿ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ﴾ أي من خزائن رحمتك.
قوله :« وهَيِّئ » : العامة على همزة بعد الياء المشددة، وأبو جعفر وشيبة والزهريُّ بياءين : الثانية خفيفة، وكأنَّه أبدل الهمزة ياء، وإن كان سكونها عارضاً، ورُوِيَ عن عاصم « وهيِّ » بياءٍ مشددة فقط، فيحتمل أن يكون حذف الهمزة من أول وهلةٍ تخفيفاً، وأن يكون أبدلها؛ كما فعل أبو جعفرٍ، ثم أجرى الياء مجرى حرفِ العلَّة الأصليِّ، فحذفه، وإن كان الكثير خلافه، ومنه :
٣٤٨٧- جَرِيءٍ مَتَى يُظلمْ يُعَاقِبْ بظُلمهِ سَرِيعاً وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلمِ يَظلِمِ
معنى « هيِّئ لنا » أصلخ من قولك « هيَّأت الأمرَ، فتهيَّأ ».
وقرأ أبو رجاء « رُشداً » ها هنا بضم الراء وسكون الشين، وتقدم تحقيق ذلك في الأعراف، وقراءة العامة هنا أليق؛ لتوافق الفواصل.
والتقدير : هيِّئ لنا أمراً ذا رشدٍ؛ حتَّى نكون بسببه راشدين مهتدين.
وقيل : اجعل أمرنا رشداً كلَّهُ؛ كقولك : رَأيتُ منه رشداً.
قوله :﴿ فَضَرَبْنَا ﴾ : مفعوله محذوف، أي : ضربنا الحجاب المانع، و « عَلَى آذانِهم » استعارة للزوم النوم؛ كقول الأسود :[ الكامل ]

٣٤٨٨- ضَربتْ عَليْكَ العَنْكبُوتَ بِنَسْجِهَا وقضَى عَليْكَ بشهِ الكِتابُ المُنزَلُ
ونصَّ على الآذان؛ لأنَّ بالضَّرب عليها خصوصاً يحصل النُّومُ. وأمال « آذانهم ».
قوله :﴿ فِي الكهف ﴾ وهو ظرف المكان، ومعنى الكلام : إنَّما هم في الكهف، واسمه خيرم، واسم الجبل الذي هو فيه [ مخلوس ].
وقوله :« سِنينَ » ظرف « زمان » ل « ضَربْنَا » و « عَدداً » يجوز فيه أن يكون مصدراً، وأن يكون « فعلاً » بمعنى مفعول، أي من باب تسمية المفعول باسم المصدر، كالقبض والنَّقض.
فعلى الأول : يجوز نصبه من وجهين :
احدهما : النعت ل « سنين » على حذف مضافٍ، اي : ذوات عدد، أو على المبالغة على سبيل التأكيد والنصب بفعلٍ مقدرٍ، أي : تعدُّ عدداً.
وعلى الثاني : نعتٌ ليس إلا، أي : معدودة.

فصل


[ اذكر العدد هنا على سبيل التأكيد ] قال الزجاج : ذكر العدد ها هنا يفيد كثرة السِّنين، وكذلك كل شيءٍ ممَّا يعدُّ إذا ذكر فيه العددُ، ووصف به، اريد كثرته؛ لأنَّه إذا قلَّ، فهم مقداره بدون التعديد، أمَّا إذا ذكر فيه العددُ، ووصف به، أريد كثرته؛ لأنَّه إذا قلَّ، فهم مقداره بدون التعديد، أمَّا إذا كثر فهناك يحتاج إلى التعديد، فإذا قلت : أقمتُ أيَّاماً عدداً، أردتَّ به الكثرة.


الصفحة التالية
Icon