فصل في كلام أهل الكهف
قال المفسِّرون : إنَّ أهل الكهف قال بعضهم لبعض :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم ﴾ يعني قومكم ﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله ﴾، أي : اعتزلتموهم، وجميع ما يعبدون إلا الله، فإنَّكم لم تعتزلوا عبادته، فإنَّهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان.
وقرأ أبو مسعود :« ومَا يعبدون من دون الله، فأووا إلى الكهف ».
قال الفراء : هو جواب « إذْ » كما تقولُ : إذ فعلت كذا فافعل كذا، والمعنى اذهبوا إليه، واجعلوه مأواكم.
﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾ أي يبسطها عليكم، ﴿ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ ﴾ يسهِّل لكم ﴿ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً ﴾ ما يعود إليه رفقكم.
قوله :« مرفقاً » قرأ الجمهور بكسر الميم، وفتح الفاءِ.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية البرجمي وأبو جعفر بالعكس، وفيها خلاف عند أهل اللغة؛ فقيل : هما بمعنى واحد، وهو ما يرتفق به، وليس بمصدر، وقيل : هو بكسر الميم لليد، وبفتحها للأمر، وقد يستعمل كل واحدٍ منهما موضع الآخر، حكاه الأزهريُّ عن ثعلب، وأنشد الفراء جمعاً بين اللغتين في الجارحة :[ الرجز ]
٣٤٩٢- بِتُّ أجَافِي مِرْفقاً عن مَرْفقِ | و [ قد ] يستعملان معاً في الأمرِ، وفي الجارحة، حكاه الزجاج. |
قلت : وتواترُ قراءة نافعٍ والشاميين يردُّ عليه، وأنكر الكسائي كسر الميم في الجارحة، وقال : لا أعرفُ فيه إلا الفتح، وهو عكس قول تلميذه، ولكن خالفه أبو حاتم، وقال :« هو بفتح الميم : الموضع كالمسجد، وقال أبو زيد : هو بفتح الميم مصدر جاء على مفعلٍ » وقال بعضهم : هما لغتان فيما يرتفق به، فأمَّا الجارحةُ، فبكسر الميم فقط، وحكي عن الفراء أنه قال :« أهل الحجاز يقولون :» مرفقاً « بفتح الميم وكسر الفاء فيما ارتفقت به، ويكسرون مرفق الإنسان، والعرب بعد يكسرون الميم منهما جميعاً » وأجاز معاذٌ فتح الميم والفاء، وهو مصدر كالمضرب والمقتل.
و « مِنْ أمْرِكُم » متعلق بالفعل قبله، و « مِنْ » لابتداء الغاية، أو للتبعيض.
وقيل : هي بمعنى بدلٍ، قاله ابن الأنباري، وأنشد :[ الطويل ]
٣٤٩٣- فَليْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزمَ شَرْبةً | مُبرَّدةً باتتْ على طَهيَانِ |