قوله :﴿ وَتَرَى الشمس ﴾ أي : أنت أيُّها المخاطب، وليس المراد أنَّ من خوطب بهذا يرى هذا المعنى، ولكنَّ العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو.
قوله :﴿ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ﴾.
قرأ ابن عامر ويعقوب « تَزْوَرُّ » بسكون الزاي بزنة تَحْمَرُّ.
والكوفيون « تَزاوَرُ » بتخفيف الزاي، والباقون بتثقيلها، ف « تَزْورُّ » بمعنى « تميلُ » من الزَّورِ، وهو الميل، و « زاره » بمعنى « مال إليه » وقول الزُّور : ميلٌ عن الحق، ومنه الأزورُ، وهو المائلُ بعينه وبغيرها، قال عمر بن أبي ربيعة :[ الطويل ]

٣٤٩٤-................ وجَنْبِي خِيفَةَ القَوْمِ أزْوَرُ
وقيل : تَزورُّ بمعنى تنقبضُ من « ازْوَرَّ » أي : انقبض، ومنه قول عنترة :[ الكامل ]
٣٤٩٥- فَازْوَرَّ من وقْع القَنا بِلبَانهِ وشَكَا إليَّ بِعبْرةٍ وتَحمْحُمِ
وقيل : مال، ومثله قول بشر بن أبي خازم :[ الوافر ]
٣٤٩٦- يُؤمُّ بِهَا الحُداةُ مِياهَ نَخْلٍ وفِيهَا عن أبَانيْنِ ازْوِرَارُ
أي : ميلٌ.
وأما « تَزاوَرُ » و « تزَّاوَرُ » فأصلهما « تَتزاورُ » بتاءين، فالكوفيون حذفوا إحدى التاءين، وبعضهم أدغم، وقد تقدَّم نظائر هذا في ﴿ تَظَاهَرُونَ ﴾ [ الآية : ٨٥ من البقرة ] و ﴿ تَسَآءَلُونَ ﴾ [ النساء : ١ ] ونحوهما، ومعنى ذلك الميل أيضاً.
وقرأ أبو رجاء، والجحدريُّ، وابن أبي عبلة، وأيوبُ السَّختيانيُّ « تَزوَارُّ » بزنة « تحْمَارُّ » وعبد الله، وأبو المتوكل « تَزوَئِرُّ » بهمزة مكسورة قبل راء مشددة، وأصلها « تَزوَارُّ » كقراءة أبي رجاء، ومن معه، وإنما كرهَ الجمع بين الساكنين، فأبدل الألف همزة على حدِّ إبدالها في ﴿ الجآن ﴾ [ الرحمن : ١٥ ] و ﴿ الضآلين ﴾ [ الفاتحة : ٧ ]. وقد تقدم تحقيقه آخر الفاتحة.
و « إذا طلعت » معمول ل « ترى » أو ل « تَزاوَرُ » وكذا « إذا غَربَتْ » معمولٌ للأول، أو للثاني، وهو « تَقْرِضُهمْ » والظاهر تمحّضهُ للظرفيةِ، ويجوز أن تكون شرطية.
ومعنى « تَقْرضُهمْ » : تقطعهم، لا تقربهم؛ إذ القرض القطع؛ من القطيعة والصَّرم، قال ذو الرمَّة :[ الطويل ]
٣٤٩٧- إلى ظُعنٍ يَقْرضْن أقْوازَ مُشرِفٍ شِمَالاً، وعنْ أيْمانِهنَّ الفَوارِسُ
والقَرْضُ : القطعُ، وتقدم تحقيقه في البقرة، وق لالفارسي :« معنى تقرضهم : تعطيهم من ضوئها شيئاً، ثم تزول سريعاً، كالقرض يستردُّ » وقد ضعِّف قوله؛ بأنه كان ينبغي أن يقرأ « تُقرضُهمْ » بضمِّ التاء، لأنه من أقرضَ.
وقرئ « يَقْرضُهمْ » بالياء من تحت، أي : الكهف، وفيه مخالفةٌ بين الفعلين وفاعلهما، فالأولى أن يعود على الشمس، ويكون كقوله :[ المتقارب ]
٣٤٩٨-................ ولا أرْضَ أبْقلَ إبْقَالهَا
وهو قول ابن كيسان.
و « ذات اليمينِ » و « ذاتَ الشِّمالِ » ظرفا مكانٍ بمعنى جهة اليمين، وجهة الشِّمال.

فصل


قال المفسرون :« تَزاوَرُ » بمعنى « تَمِيلُ » وتعدل عن كهفهم ﴿ ذَاتَ اليمين ﴾، أي : جهة ذات اليمين، وأصله أنَّ ذات اليمين صفة أقيمت مقام الموصوف؛ لأنَّها تأنيث « ذو » في قولهم :« رجلٌ ذُو مالٍ، وامرأةٌ ذات مالٍ » ؛ فكأنَّه قال : تَزاورُ عن كهفهم جهة ذات اليمين، ﴿ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال ﴾.


الصفحة التالية
Icon