قال الكسائيُّ : قرضت المكان، أي : عدلتُ عنه.
وقال أبو عبيدة : القرض في أشياء، منها القطع، وكذلك السَّير في البلاد، إذا قطعتها؛ تقول لصاحبك : هل وردتَّ [ موضع ] كذا؟ فيقول المجيب : إنما قرضتهُ.
فقوله :﴿ تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال ﴾، أي : تعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشِّمال.
ثم ها هنا قولان :
الأول : قال ابن قتيبة وغيره : كان كهفهم مستقبل بناتِ نعشٍ، لا تقع فيه الشمس عند الطُّلوع، ولا عند الغروب، ولا فيما بين ذلك وكان الهواء الطيِّب والنَّسيم الموافقُ يصل إليهم، فلا جرم بقيتْ أجسادهم مصونة عن العفونة والفساد.
والثاني : أن الله تعالى منع ضوء الشمس من الوقوع عليهم عند طلوعها، وكذا عند غروبها، وكان ذلك فعلاً خارقاً للعادة، وكرامة عظيمة، خصَّ الله بها أصحاب الكهف، قاله الزجاج، واحتجَّ على صحَّته بقوله :﴿ ذلك مِنْ آيَاتِ الله ﴾ ولو كان الأمر كما ذكره أصحاب القول الأول، لكان ذلك أمراص معتاداً مألوفاً، ولم يكن من آيات الله تعالى.
ثم قال تعالى :﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ﴾ أي متَّسعٍ من الكهف، وجمعها فجواتٌ.
قال أبو عبيدة : ومنه الحديث : فإذا وجد فجوة نصَّ.
وقال غيره : الفجوة المتَّسع من الفجاء، وهو تباعد ما بين الفخذين، يقال : رجل أفجأ، وامرأةٌ فجواء، وجمع الفجوة فجاء كقصعة وقصاع.
وقوله :﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ﴾ جملة حالية، أي : نفعل هذا مع اتساع مكانهم، وهو أعجب لحالهم؛ إذ كان ينبغي أن تصيبهم الشمس لاتساع مكانهم.
فصل
قال المفسرون : اختار الله تعالى لهم مضجعاً في مقناة لا تدخل عليهم الشمس، فتؤذيهم بحرِّها، وتغيِّر ألوانهم، وهم في متَّسع ينالهم بردُ الرِّيح، ويدفع عنهم كرب الغار.
قوله :« ذلِكَ » مبتدأ أشأر به إلى جميع ما تقدم من قصَّتهم.
وقيل :« ذلِكَ » إشارةٌ إلى الحفظ الذي حفظهم الله تعالى في ذلك الغار تلك المدَّة الطويلة.
قوله :﴿ مِنْ آيَاتِ الله ﴾ العجيبة الدَّالة على قدرته، وبدائع حكمته، و ﴿ مِنْ آيَاتِ الله ﴾ الخبر، ويجوز أن يكون « ذلك » خبر مبتدأ محذوف، أي : الأمر ذلك، و ﴿ مِنْ آيَاتِ الله ﴾ حال. ثم بين تعالى أنه كما أبقاهم هذه المدَّة الطويلة مصونينعن الموت والهلاك من لطفه وكرمه، فكذلك رجوعهم أوَّلاً عن الكفر، ورغبتهم في الإيمان كان بإعانة الله ولطفه؛ فقال :﴿ مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد ﴾ مثل أصحاب الكهف « ومن يُضْلِل »، أي : يضلله الله، ولم يرشده؛ ك « دقيانُوس » وأصحابه ﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً ﴾ معيناً « مُرْشِداً ».