قوله :﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً ﴾ أي : لو رأيتهم، لحسبتهم.
وقال شهبا الدِّين : لا حاجة إلى هذا التقدير.
﴿ أَيْقَاظاً ﴾ : جمع « يَقُظٍ » بضم القاف، وبجمع على يقاظٍ، ويقظ وأيقاظ، كعضدٍ وأعضادٍ، ويقظ ويقاظ، كرجلٍ ورجالٍ، وظاهرُ كلام الزمخشريِّ أنه يقال :« يقظٌ » بالكسر؛ لأنه قال : وأيقاظٌ جمع « يقظٍ » كأنكاد في « نكدٍ ».
وقال الخفش، وأبو عبيدة، والزجاج : أيقاظٌ جمع يقظٍ ويقظان.
وأنشدوا [ لرؤبة ] :[ الرجز ]

٣٤٩٩- ووَجدُوا إخْوانَهُم أيْقَاظا .............
وقال البغوي : أيقاظاً جمع يقيظ ويقظ، واليقظة : الانتباه عند النَّوم.
قال الواحديُّ : وإنما يحسبون أيقاظاً؛ لأنَّ أعينهم مفتحةٌ، وهم نيامٌ.
وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم يظنُّ أنهم أيقاظٌ؛ لقوله تعالى :﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال ﴾ والرقود جمع راقدٍ، كقاعدٍ وقعود.

فصل في مدة تقليبهم


اختلفوا في مقدار مدَّة التَّقليب :
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - :« أنَّ لهم في كلِّ عام تَقْليبَتَيْنِ » وعن مجاهدٍ : يمكثون رقوداً على أيمانهم تسع سنينَ، ثم ينقلبون على شمائلهم، فيمكثون رقوداً تسع سنين.
وقيل : لهم تقليبة واحدة في يوم عاشوراء.
وقال ابن الخطيب : وهذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها، والقرآن لا يدل عليها، وما جاء فيه خبر صحيح، فكيف يعرف؟ وقال ابن عباس : فائدة تقليبهم؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم وتبليهم.
قال ابن الخطيب : عجبت من ذلك؛ لأنَّ الله تعالى قدر على أن يمسك حياتهم ثلاثمائة سنة وأكثر، فلم لا يقدر على حفظ أجسامهم من غير تقليب؟!.
قوله :« ونُقلِّبهُم » قرأ العامة « نُقلِّبهُم » مضارعاً مسنداً للمعظِّم نفسه.
وقرئ أيضاً بالياء من تحت، أي : الله أو الملك، وقرأ الحسن :« يُقلِبُهمْ » بالياء من تحت ساكن القاف، مخفف اللام، وفاعله، إمَّا الله أو الملكُ.
وقرأ أيضاً « وتَقَلُّبَهُم » بفتح التاء، وضمِّ اللام مشددة مصدر تقلَّب كقوله :﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين ﴾ [ الشعراء : ٢١٩ ] ونصب الباء، وخرَّجه أبو الفتح على إضمار فعل، أي : ونرى تقلُّبهم، أو نشاهد تقلُّبهم، وروي عنه أيضاً رفع الباء على الابتداءِ، والخبر الظرف بعده، ويجوز أن يكون محذوفاً، أي : آية عظيمة. وقرأ عكرمة « وتقلبُهمْ » بتاء التأنيث مضارع « قَلبَ » مخفَّفاً، وفاعله ضمير الملائكةِ المدلولِ عليهم بالسِّياق.
وقوله :« ذَاتَ » منصوب على الظَّرف، لأنَّ المعنى : ونُقلِّبُهمْ من ناحية اليمين أو على ناحية « اليمين » كما تقدَّم في قوله :﴿ تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين ﴾ [ الكهف : ١٧ ].
وقوله :﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد ﴾.
قرأ العامة « وكَلْبُهمْ » وقرأ جعفر الصادق « كَالبُهمْ » أي : صاحب كلبهم كلابنٍ وتامر، ونقل أبو عمر الزاهدُ غلامُ ثعلبٍ « وكَالِئُهُمْ » بهمزة مضمومة اسم فاعل من كَلأ يَْلأُ أي : حفظ يحفظُ.


الصفحة التالية
Icon