فإن قيل : لمَّا أجابه الله إلى مطلوبه لزم ألاَّ يموت إلى وقت قيام القيامة، [ و ] وقت قيام القيامة لا موت، فلزم ألا يموت بالكلية فالجواب : يحمل قوله ﴿ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ : إلى ما يكون قريباً منه، و [ الوقت ] الذي يموت فيه كلُّ المكلفين قريبٌ من يوم البعث.
وقيل :﴿ يَوْمِ الوقت المعلوم ﴾ لا يعلمه إلا الله.
قيل : لم تكن إجابة الله تعالى له في الإمهالِِ إكرماً له، بل كان زيادة في بلائه وشقائه.
قوله :﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي ﴾ الباء للقسم، و « مَا » مصدرية، وجواب القسم ﴿ لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ ﴾ والمعنى : أقسم بإغوائك إيايّ، لأزينن؛ كقوله :﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص : ٨٢ ] إلاَّ أنه في هذا الموضع أقسم بعزة الله تعالى وهي من صفاتِ الذات، وفي قوله :﴿ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي ﴾، أقسم بإغواء الله، وهو من صفات الأفعال، والفقهاء قالوا : القسم بصفاتِ الذَّات صحيحٌ، واختلفوا في القسم بصفاتِ الأفعال.
ونقل الواحديُّ هنا عن بعضهم : أنَّ الباء هاهنا سببية، أي : بسبب كوني غاوياً، لأزيننَّ؛ كقول القائل :« أقْسمَ فُلانٌ بِمعْصِيتهِ، ليَدْخُلنَّ النَّار، وبِطاعَتهِ ليَدْخُلنَّ الجَنَّة ».
ومعنى :﴿ أَغْوَيْتَنِي ﴾ : أضْللْتَنِي، وقيل : خَيَّبْتَنِي من رحمتك، ﴿ لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض ﴾ حبَّ الدنيا، ومعاصيك.
والضمير في :« لَهُمْ » لذرية آدم عليه السلام وإن لم يجر لهم ذكر؛ للعلم بهم.
و « لإْغْوِيَنَّهُمْ » : لأضلَّنَّهُم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو :« المُخْلصِينَ » بكسر اللام، والباقون : بفتح اللاَّم.
ومعنى القراءة الأولى : أنهم أخلصوا دينهم عن الشَّوائب؛ ومن فتح اللاَّم، فمعناه : الذين أخلصهم الله بالهداية.

فصل


قال ابن الخطيب :« واعلم أنَّ الذي حمل » إبليس « على ذكر هذا الاستثناء ألاَّ يصير كاذباً في دعواه، فلما احترز » إبليس « عن الكذب، علمنا أنَّ الكذب في غاية الخساسةِ ».

فصل


قال رويمٌ :« الإخلاص في العمل : وهو الأَّ يريد صاحبه عليه عوضاً في الدَّارين، ولا عوضاَ من المكلفين ».
وقال الجندي رضي الله عنه : الإخلاص : سرُّ بين العبد، وبين الله تعالى لا يعلمه ملكٌ فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوًى فيمليه.
وذكر القشيريُّ، وغيره عن النبي صلى الله علي هوسلم أنه قال :« سَألتُ جِبْريلَ عليه السلام عن الإخْلاًِ ما هُو؟ فقالَ : سَألتُ ربَّ العِزَّةِ عَنِ الإخْلاصِ ما هُو؟ فقال : سِرِّي اسْتودَعْتهُ قلبَ مَنْ أحْبَبْتهُ مِنْ عِبَادي ».
قوله تعالى :﴿ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ ﴾ « هَذَا » إشارة إلى الإخلاص المفهوم من المخلصين.
وقيل : إلى انتفاء تزْيينه، وأغوائهه على من مرَّ عليه، أي : على رضواني، وكرامتي.
وقيل :« عَلى » بمعنى :« إلَى »، نقل عن الحسنِ.


الصفحة التالية
Icon