الرابع : أنَّ هذه تسمَّى واو الثمانية، وأنَّ لغة قريشٍ، إذا عدُّوا يقولون : خمسةٌ ستَّة سبعة، وثمانية تسْعةٌ، فيدخلون الواو على عقد الثمانية خاصة، ذكر ذلك ابن خالويه، وأبو بكر راوي عاصم، قلت : وقد قال ذلك بعضهم في قوله تعالى :﴿ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَ ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] في الزمر، فقال : دخلت في أبواب الجنة؛ لأنها ثمانية، ولذلك لم يجأ بها في أبواب جهنَّم؛ لأنها سبعة، وسيأتي هذا، إن شاء الله.
قال أصحاب هذا القول : إنَّ السبعة عند العرب أمثل في المبالغة في العدد؛ قال تعالى :﴿ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ﴾ [ التوبة : ٨٠ ].
ولما كان كذلك، فلما وصلوا إلى الثَّمانية، ذكروا لفظاً يدلُّ على الاستئناف فقالوا : وثمانية، فجاء هذا الكلام على هذا القانون، قالوا : ويدلُّ عليه قوله تعالى :﴿ والناهون عَنِ المنكر ﴾ [ التوبة : ١١٢ ] ؛ لأن هذا هو العدد الثامن من الأعداد المتقدمة.
وقوله :﴿ حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] لأن أبواب الجنة ثمانيةٌ، وأبواب النَّار سبعة، فلم يأتِ بالواو فيها.
وقوله :﴿ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ﴾ [ التحريم : ٥ ] هو العدد الثامن مما تقدَّم.
قال القفال : وهذا ليس بشيء؛ لقوله تعالى :﴿ هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ﴾ [ الحشر : ٢٣ ] ولم يذكر الواو في النَّعت الثامن.
وقرئ :« كَالبُهمْ » أي : صاحب كلبهم، ولهذه القراءةِ قدَّر بعضهم في قراءة العامة : وثامنهم صاحب كلبهم.
وثلاثةٌ وخمسةٌ وسبعةٌ : مضافة لمعدودٍ محذوف، فقدَّره أبو حيان : ثلاثة اشخاص، قال :« وإنَّما قدَّرنا أشخاصاً؛ لأنَّ رابعهم اسم فاعل أضيف إلى الضمير، والمعنى : أنه ربعهم، أي : جعلهم أربعة، وصيَّرهم إلى هذا العدد، فلو قدَّرناه رجالاً، استحال أن يصيِّر ثلاثة رجالٍ أربعة؛ لاختلافِ الجنسين » وهو كلامٌ حسنٌ.

فصل


وقال أبو البقاء :« ولا يعمل اسم الفاعل هنا؛ لأنه ماض » قلت : يعني أنَّ رابعهم فيما مضى، فلا يعمل النصب تقديراً، والإضافة محضة، وليس كما زعم، فإنَّ المعنى على : يصير الكلب لهم أربعة، فهو ناصبٌ تقديراً، وإنما عمل، وهو ماضٍ؛ لحكاية الحال ك « بَاسِطٌ ».

فصل


روي أن السيِّد والعاقب وأصحابهما من نصارى نجران، كانوا عند النبيِّ ﷺ فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقال السيِّد - وكان يعقوبياً - : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم.
وقال العاقبُ - وكان نُسطوريًّا- : كانوا خمسة سادسهم كلبهم.
وقال المسلمون : ك انوا سبعة، وثامنهم كلبهم، فحقَّق الله قول المسلمين بعدما حكى قول النصارى، فقال :« سَيقُولونَ ثَلاثةٌ رابعهُم كَلْبهُم، ويَقُولونَ خَمسَةٌ سَادسهُمْ كَلبُهمْ رجماً بالغيب ويَقُولونَ : سَبْعةٌ وثَامنهُمْ كَلبُهمْ ».
قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ أي : ظنًّا وحدساً من غير يقينٍ، ولم يقل هذا في السبعة، فقال :﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾.

فصل


قال أكثر المفسرين : هذا هو الحقُّ؛ ويدلُّ عليه وجوهُ :
الأول : أنَّ الواو في قوله :﴿ وَثَامِنُهُمْ ﴾ هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنَّكرة، كما تدخل ع لى الجملة الواقعة حالاً عن المعرفة في قولك :« جَاءنِي رجلٌ، ومَعهُ آخَرُ » ومررت بزيدٍ، ومعه سيفٌ، ومنه قوله :


الصفحة التالية
Icon