واعلم أنَّ الذي ذكره الكعبيُّ ليس جواباً عن الاستدلال، بل هو التزامٌ لمخالفة ظاهر النصِّ، وقياس الإرادة على الأمر باطلٌ؛ لأنَّ هذا النصَّ دالٌّ على أنَّه لا يوجد إلاَّ ما أراده الله، وليس في النصوص ما يدلُّ على أنَّه لا يدخل في الوجود إلاَّ ما أمر به، فظهر الفرق. وأجاب القفَّال عنه بأن قال : هلاَّ إذا دخلت [ جنَّتك ]، قلت : ما شاء الله، أي : هذه الأشياء الموجودةُ في هذا البستان : ما شاء الله؛ كقول الإنسان، إذا نظر غلى شيءٍ عمله زيدٌ : عمل زيدٍ، أي : هذا عمل زيدٍ.
ومثله :﴿ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ [ الكهف : ٢٢ ]، أي : قالوا : ثلاثةٌ، وقوله :﴿ وَقُولُواْ حِطَّةٌ ﴾ [ الأعراف : ١٦١ ] أي : وقولوا : هذه حطَّة، وإذا كان كذلك، كان [ المراد أن ] هذا الشيء الموجود في البستان شيءٌ شاء الله تكوينه، وعلى هذا التقدير : لم يلزم أن يقال : وقع كلُّ ما شاء الله؛ لأنَّ هذا الحكم غير عامٍّ في الكلِّ، بل يختصُّ بالأشياء المشاهدة في البستان، وهذا التأويلُ الذي ذكره القفَّال أحسن مما ذكره الجبائيُّ والكعبيُّ.

فصل


قال ابن الخطيب : وأقول : إنَّه على جوابه لا يندفع الإشكال عن المعتزلة؛ لأنَّ عمارة ذلك البستان، ربَّما حصلت بالغصوب، وبالظُّلم الشديد؛ فلا يصحُّ أيضاً على قول المعتزلة أن يقال : هذا واقعٌ بمشيئةِ الله، اللهم، إلاَّ أن يقال : المراد أنَّ هذه الثمار حصلت بمشيئة الله إلاَّ أنَّ هذا تخصيص لظاهر النصِّ من غير دليل.
وأمَّا أمر المؤمن الكافر بأن يقول : لا قُوَّة إلاَّ بالله، أي : لا قُوَّة لأحدٍ على أمر من الأمور إلاَّ بإعانة الله وإقداره.
ثُمَّ إن المؤمن، لما علَّم الكافر الإيمان، أجابه عن الافتخار بالمال والنَّفر، فقال :﴿ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ﴾.
واعلم أن ذكر الولد ها هنا يدلُّ على أنَّ المراد بالنَّفر المذكور في قوله :﴿ وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ الأعوان والأولاد.
وقوله :﴿ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ ﴾ يجوز في « أنا » وجهان :
أحدهما : أن يكون مؤكِّداً لياء المتكلم.
والثاني : أنه ضمير الفصل بين المفعولين، و « أقلَّ » مفعول ثانٍ، أو حال بحسب الوجهين في الرؤية، هل هي بصرية أو علمية؟ إلا أنَّك إذا جعلتها بصرية، تعيَّن في « أنَا » أن تكون توكيداً، لا فصلاً؛ لأنَّ شرطه أن يقع بين مبتدأ وخبر، أو ما أصله المبتدأ والخبر.
وقرأ عيسى بن عمر « أقلُّ » بالرفع، ويتعيَّن أن يكون « أنا » مبتدأ، و « أقلُّ » خبره، والجملة : إمَّا في موضع المفعول الثاني، أو في موضع الحال على ما تقدَّم في الرؤية.
و « مَالاً وولداً » تمييزٌ، وجواب الشرط قوله « فعَسَى ربِّي ».
قوله :﴿ حُسْبَانًا ﴾ : الحسبان مصدر حسب الشيء يحسبه، أي : أحصاهُ، قال الزجاج :« أي عذاب حسبان، أي : حساب ما كسبت يداك » وهو حسن.


الصفحة التالية
Icon