قوله :« جَدَلاً » منصوب على التمييز، وقوله :﴿ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾ أي : أكثر الأشياء التي يتأتَّى منها الجدالُ، إن فصَّلتها واحداً واحداً، يعني أنَّ الإنسان أكثر جدلاً من كلِّ شيء يجادلُ، فوضع « شيءٍ » موضع الأشياء، وهل يجوز أن يكون جدلاً منقولاً عن اسم كان؛ إذ الأصل : وكان جدلُ الإنسان أكثر شيء؟ فيه نظر، وكلام أبي البقاء يشعر بجوازه؛ فإنه قال :« فيه وجهان :
أحدهما : أنًَّ شيئاً ههنا في معنى فجادل، لأنَّ أفعل يضاف إلى ما هو بعضٌ له، وتمييزه ب »
جدلاً « يقتضي أن يكون الأكثر مجادلاً، وهذا من وضع العام موضع الخاص.
والثاني : أن في الكلام محذوفاً، تقديره : وكان جدل الإنسان أكثر شيءٍ، ثم ميَّزه »
. فقوله :« تقديره : وكان جدل الإنسان » يفيد أنَّ إسناد « كان » إلى الجدلِ جائز في الجملة، إلا أنه لا بدَّ من تتميم لذلك : وهو أن تتجوَّز، فتجعل للجدلِ جدلاً؛ كقولهم :« شِعرٌ شَاعرٌ » يعني أنَّ لجدل الإنسان جدلاً هو أكثر من جدلِ سائر الأشياءِ.
وهذه الآية دالَّة على أنَّ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - جادلوهم في الدِّين حتَّى صاروا مجادلين؛ لأنَّ المجادلة لا تحصل إلاَّ من الطرفين.


الصفحة التالية
Icon