قال شهاب الدين : وهذا على حسنه فيه نظرٌ لا يخفى، وهو : خلوُّ الجملة الواقعة خبراً عن « مسيري » في الأصل من رابطٍ يربطها به؛ ألا ترى أنه ليس في قوله « حتَّى أبلغ » ضمير يعود على « مسيري » إنما يعود على المضاف إليه المستتر، ومثل ذلك لا يكتفى به.
ويمكن أن يجاب عنه : بأن العائد محذوفٌ، تقديره : حتى أبلغ به، أي : بمسيري.
وإن كانت التامة، كان المعنى : لا أبرح ما أنا عليه، بمعنى : ألزمُ المسير والطَّلبَ، ولا أفارقه، ولا أتركه؛ حتَّى أبلغ؛ كما تقول : لا أبرح المكان، فعلى هذا : يحتاجُ أيضاً إلى حذف مفعول به، كما تقدَّم تقريره فالحذف لا بدَّ منه على تقديري التَّمامِ والنقصان [ في أحد وجهي النقصان ].
وقرأ العامة « مجمع » بفتح الميم، وهو مكان الاجتماع، وقيل : مصدر، وقرأ الضحاك وعبد الله بن مسلم بن يسارٍ بكسرها، وهو شاذٌّ؛ لفتح عين مضارعة.
قوله :« حُقُباً » منصوبٌ على الظرف، وهو بمعنى الدَّهر. وقيل : ثمانون سنة، وقيل : سنةٌ واحدةٌ بلغة قريش، وقيل : سبعون، وقرأ الحسن :« حُقْباً » بإسكان القاف، فيجوز أن يكون تخفيفاً، وأن يكون لغة مستقلة، ويجمع على « أحقابٍ » كعنقٍ وأعناقٍ، وفي معناه : الحقبةُ بالكسر، قال امرؤُ القيس :

٣٥٤٦- فَإن تَنْأ عَنْهَا حِقْبةً لا تُلاقِهَا فإنَّكَ ممَّا أحْدَثَتْ بالمُجرِّبِ
والحقبة بالضمِّ أيضاً، وتجمع الأولى على حقبٍ، بكسر الحاء كقربٍ، والثانية على حقبٍ، بضمِّها؛ كقربٍ.
فإن قيل قوله :« أوْ أمْضِيَ » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه منسوق على « أبْلُغَ » يعني بأحد أمرين : إمَّا ببلوغه المجمع، أو بمضيِّه حقباً.
والثاني : أنه تغييةٌ لقوله « لا أبْرَحُ » فيكون منصوباً بإضمار « أنْ » بعد « أو » بمعنى « إلى نحو » لألزَمنَّكَ أو تَقضِيَنِي حقِّي «.


الصفحة التالية
Icon