فالجواب قال أبو حيان :« فالمعنى : لا أبرحُ حتى أبلغ مجمع البحرين، إلى أن أمضي زماناً، أتيقَّنُ معه فوات مجمع البحرين » قال شهاب الدين : فيكون الفعل المنفيُّ قد غيِّي بغايتين مكاناً وزماناً؛ فلا بدَّ من حصولهما معاً، نحو :« لأسيرنَّ إلى بيتك إلى الظَّهر » فلا بدَّ من حصولِ الغايتين؛ والمعنى الذي ذكره الشيخ يقتضي أنه يمضي زماناً يتيقَّن فيه فوات مجمع البحرين.
وجعل أبو البقاء « أو » هنا بمعنى « إلاَّ » في أحد الوجهين :
قال :« والثاني : أنها بمعنى : إلاَّ أن أمضي زماناً؛ أتيقَّن معه فوات مجمع البحرين » وهذا الذي ذكره أبو البقاء معنى صحيحٌ، فأخذ الشيخ هذا المعنى، ركَّبهُ مع القول بأنَّها بمعنى « إلى » المقتضيةِ للغاية، فمن ثمَّ جاء الإشكالُ.

فصل في المراد بمجمع البحرين


قوله :« مجمعُ البَحريْنِ » ؛ الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر - عليه السلام - : هو ملتقى بحرين فارس والرُّوم ممَّا يلي المشرق، قاله قتادة، [ وقال محمد بن كعب : طنجة ] وقال أبي بن كعبٍ : إفريقيَّة.
وقيل : البحران موسى والخضر؛ لأنَّهما كانا بحري علمٍ. وليس في اللفظ ما يدل على تعيين هذين البحرين؛ فإن صحَّ بالخبر الصحيح شيء فذاك، وإلاَّ فالأولى السُّكوت عنه.
ثم قال :« أوْ أمضيَ حُقباً » : أو أسير زماناً طويلاً.
واعلم أنَّ الله تعالى كان أعلم موسى حال هذا العالم، وما أعلمه بموضعه بعينه، فقال موسى : لا أزالُ أمشي؛ حتَّى يجتمع البحرانِ، فيصيرا بحراً واحداً، أو أمضي دهراً طويلاً؛ حتى أجد هذا العالم، وهذا إخبارٌ من موسى أنَّه وطن نفسه على تحمُّل التَّعب الشَّديد، والعناء العظيم في السَّفر؛ لأجل طلب العلم، وذلك تنبيهٌ على أنَّ المتعلِّم، لو سار من المشرق إلى المغرب؛ لأجل مسألة واحدة، حقَّ له ذلك.
ثم قال :﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾.
أي : انطلقا إلى أن بلغا مجمع بينهما، والضمير في قوله :« بينهما » إلى ماذا يعود؟.
فقيل : لمجمع البحرين.
وقيل : بلغا الموضع الذي وقع فيه نسيانُ الحوت، وهذا الموضع الذي كان يسكنه الخضر - عليه السلام - أي : يسكن بقربه، ولأجل هذا المعنى، لمَّا رجع موسى وفتاه بعد أن ذكر الحوت، صار إليه، وهو معنى حسنٌ، والمفسِّرون على القول الأوَّل.
قوله :﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾ : الظاهر نسبةُ النِّسيانِ إلى موسى وفتاه، يعني نسيا تفقُّد أمره، فإنه كان علامة لهما على ما يطلبانه، وقيل : نسيَ موسى أن يأمرهُ بالإتيان به، ونسي يوشعُ أن يفكِّره بأمره، وقيل : النَّاسِي يوشع فقط، وهو على حذف مضاف، أي : نسي أحدهما؛ كقوله :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ].
قوله :« في البَحْرِ سرباً » مفعول ثانٍ ل « اتَّخذَ » و « فِي البَحْرِ » يجوز أن يتعلق ب « اتَّخذ » وأن يتعلق بمحذوفٍ على أنه محالٌ من المفعول الأول أو الثاني.


الصفحة التالية
Icon