﴿ إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف ﴾ [ الكهف : ١٠ ].
ومن المتعدِّي قوله تعالى :﴿ وَآوَيْنَاهُمَآ إلى رَبْوَةٍ ﴾ [ المؤمنون : ٥٠ ].
وقوله :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى ﴾ [ الضحى : ٦ ].
هذا هو الفصيح المشهور، ويقال في كلِّ واحدٍ بالمدِّ والقصر، لكن بالقصر في اللازمِ أفصح، والمدُّ في المتعدِّي أفصحُ وأكثر.
قوله :« ومَا أنْسَانيهُ » قرأ حفص بضم الهاء، وكذا في قوله :« عَلَيْهُ الله » في سورة الفتح [ آية : ١٠ ]، قيل : لأنَّ الياء هنا أصلها الفتح، والهاء بعد الفتحة مضمومة، فنظر هنا إلى الأصل، وأمَّا في سورة الفتح؛ فلأنَّ الياء عارضة؛ إذ أصلها الألف، والهاء بعد الألف مضمومة، فنظر إلى الأصل أيضاً.
والباقون بالكسر نظراً إلى اللفظ، فإنَّها بعد ياءٍ ساكنة، وقد جمع حفص في قراءته بين اللغات في هاء الكناية : فإنه ضمَّ الهاء في « أنسانيه » في غير صلة، ووصلها بياءٍ في قوله :﴿ فِيهِ مُهَاناً ﴾ [ الفرقان : ٦٩ ] على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، وقرأ كأكثر القراء فيما سوى ذلك.
وقرأ الكسائي « أنسانيه » بالإمالة.
قوله :« أنْ أذكرهُ » في محلِّ نصبٍ على البدل من هاء « أنسانيه » بدل اشتمال، أي : أنساني ذكرهُ.
وقرأ عبد الله :« أن أذكركه »، وقرأ أبو حيوة :« واتِّخاذَ سبيلهِ » عطف هذا المصدر على مفعول « أذكرهُ ».
قوله :« عَجَباً » فيه أوجهٌ :
أحدها : أنه مفعول ثانٍ ل « اتَّخذَ » و « في البحْرِ » يجوز أن يتعلق بالاتخاذِ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من المفعول الأول أو الثاني.
وفي فاعل « اتَّخذ » وجهان :
أحدهما : هو الحوتُ، كما تقدَّم في « اتَّخذ » الأولى.
والثاني : هو موسى.
الوجه الثاني من وجهي « عَجَباً » أنه مفعول به، والعامل فيه محذوف، فقال الزمخشريُّ :« أو قال : عجباً في آخر كلامه تعجباً من حاله، وقوله :﴿ وما أنسانيه إلاَّ الشيطان ﴾ اعتراضٌ بين المعطوف والمعطوف عليه ». فظاهر هذا أنَّه مفعول ب « قال »، أي : قال هذا اللفظ، والسبب في وقوع هذا الاعتراض ما يجري مجرى القدر والعلة لوقوع ذلك النسيان.
الثالث : أنه مصدر، والعامل فيه مقدَّر، تقديره : فتعجَّب من ذلك عجباً.
الرابع : أنه نعت لمصدر محذوف، ناصبه « اتَّخذَ » أي : اتخذ سبيله في البحر اتِّخاذاً عجباً، وعلى هذه الأقوال الثلاثة : يكون « في البَحْرِ » مفعولا ثانياً ل « اتَّخذَ » إن عدَّيناها لمفعولين.

فصل


دلَّت الرواياتُ على أنَّه تعالى بيَّن لموسى ﷺ أنَّ هذا العالم موضعه مجمع البحرين، إلا أنَّه ما عيَّن موضعاً، إلا أنَّه جعل انقلاب الحوت حيًّا علامة على مسكنه المعيَّن، كمن يطلب إنساناً، فيقال له : إنَّ موضعه محل!َة كذا من كذا، فإذا انتهيت إلى المحلَّة، فسل فلاناً عن داره، فأينما ذهب بك، فاتبعه؛ فإنَّك تصل إليه، فكذا هنا قيل له : إنَّ موضعه مجمع البحرين، فإذا وصلت إليه، ورأيت انقلاب الحوت حيًّا وطفر إلى البحر، فيحتمل أنَّه قيل له : فهناك موضعه، ويحتمل أنَّه قيل له : فاذهب على موافقة ذلك الحوت؛ غفإنَّك تجدهُ.


الصفحة التالية
Icon