قوله : بغَيْرِ نفسٍ « فيه ثلاثة أوجه :
الأول : أنها متعلقة ب »
قَتلْتَ «.
الثاني : أنها متعلقة بمحذوف، على أنها حال من الفاعل، أو من المفعول، أي : قتلته ظالماً، أو مظلوماً، كذا قدَّره أبو البقاء، وهو بعيد جدًّا.
الثالث : أنها صفة لمصدر محذوف، أي : قتلاً بغير نفسٍ.
قوله :»
نُكْراً « قرأ نافع، وأبو بكر، وابن ذكوان بضمَّتين، والباقون بضمة وسكون، وهما لغتان، أو أحدهما أصلٌ، و » شَيْئاً « : يجوز أن يراد به المصدر، أي : مجيئاً نكراً، وأن يراد به المفعول به، أي : جئت أمراً منكراً، وهل النكر أبلغ من الإمر، أو بالعكس؟ فقيل : الإمرُ أبلغُ؛ لأنَّ قتل أنفسٍ بسبب الخرقِ اعظم من قتل نفسٍ واحدة وأيضاً : فالإمر هو الداهية العظيمة فهو أبلغ من النكر، وقيل : النُّكر أبلغ، لأن معه القتل الحتم، بخلاف خرق السفينة، فإنه يمكن تداركه؛ ولذلك قال :» ألَمْ أقُلْ لَكَ « ولم يأتِ ب » لَكَ « مع » إمْراً « ؛ لأن هذه اللفظة تؤكِّد التَّوبيخ.
وقيل : زاد ذلك، لأنَّه نقض العهد مرَّتين، فقال الخضرُ لموسى - عليهما السلام- :﴿ ألَمْ أقُل لكَ إنَّكَ لنْ تَسْتطيعَ معي صَبْراً ﴾ فعند ذلك قال موسى :﴿ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي ﴾ وهذا كلام نادمٍ.
قوله :»
فَلاَ تُصَاحِبْنِي « : العامة على » تُصاحِبُني « من المفاعلة، وعيسى ويعقوب :» فلا تَصْحبنِّ ] « من صحبه يصحبه.
وأبو عمرو في رواية، وأبيٌّ بضمِّ التاءِ من فوق، وكسر الحاء، من أصحب يصحب، ومفعوله محذوف، تقديره : فلا تصحبني نفسك، وقرأ أبيٌّ »
فلا تصحبني علمك « فأظهر المفعول.
قوله :»
مِنْ لدُنِّي « العامة على ضمِّ الدال، وتشديد النون، وذلك أنَّهم أدخلوا نون الزيادة أعني الوقاية على » لَدُن « لتقيها من الكسر؛ محافظة على سكونها، حوفظ على سكون نون » مِنْ « و » عَنْ « فألحقت بهما نون الوقايةِ، فيقولون : منِّي وعنِّي بالتشديد.
ونافع بتخفيف النون، والوجه فيه : أنَّه لم يلحقُ نون الوقاية ل »
لَدُن « إلا أن سيبويه منع من ذلك وقال :» لا يجوز أن تأتي ب « لَدُنْ » مع ياء المتكلم، دون نون وقاية « وهذه القراءة حجة عليه، فإن قيل : لم لا يقال : إن هذه النون نون الوقاية، وإنَّما اتصلت ب » لَدُ « لغة في » لَدُنْ « حتى يتوافق قول سيبويه، مع هذه القراءة؟ قيل : لا يصحُّ ذلك من وجهين :
أحدهما : أنَّ نون الوقاية، إنما جيء بها؛ لتقيَ الكلمة الكسر؛ محافظة على سكونها، ودون النون لا سكون؛ لأنَّ الدال مضمومة، فلا حاجة إلى النُّون.


الصفحة التالية
Icon