الثاني : أن سيبويه يمنع أن يقال :« لَدُنِي » بالتخفيف.
وقد حذفت النون من « عَنْ » و « مِنْ » في قوله :[ الرمل ]

٣٥٥١- أيُّهَا السَّائلُ عنهم وعنِي لستُ من قَيْسٍ ولا قَيْسُ مني
وقرأ أبو بكر بسكون الدَّال، وتخفيف النون، لكنَّه ألزم الدال الضمة منبهة على الأصل.
ولكن تحتمل هذه القراءة أن تكون النون فيها أصليَّة، وأن تكون للوقاية على أنها دخلت على « لد » الساكنة الدال، لغة في « لدُنْ » فالتقى ساكنان، فكسرت نون الوقاية على أصلها، وإذا قلنا بأنَّ النون أصلية، فالسكون تخفيف؛ كتسكين ضاد « عضدٍ » وبابه واختلف القراء في هذا الإشمام، فقائل : هو إشارة بالعضو من غير صوتٍ، كالإشمام الذي في الوقف، وهذا هو المعروف، وقائل : هو إشارة للحركة المدركة بالحسِّ، فهو كالرَّوْم في المعنى، يعني : أنه إتيان ببعض الحركة، وقد تقدَّم هذا محرَّراً في يوسف عند قوله ﴿ لاَ تَأْمَنَّا ﴾ [ يوسف : ١١ ]، وفي قوله في هذه السورة « من لدنه » في قراءة شعبة أيضاً، وتقدَّم بحثٌ يعود مثله هنا.
وقرأ عيسى وأبو عمرو في رواية « عُذُراً » بضمتين، وعن أبي عمرو أيضاً « عذري » مضافاً لياءِ المتكلم.
و « مِنْ لدُنَّي » متعلق ب « بَلغْتَ » أو بمحذوف على أنَّه حال من « عُذْراً ».

فصل في معنى الآية


قال ابن عباس : معناه : أعذرت فيما بيني وبينك.
وقيل : حذَّرتني أنِّي لا أستطيع معك صبراً.
وقيل : اتَّضح لك العذر في مفارقتي.
والمراد أنَّه مدحه بهذه الطريقة من حيث إنَّه احتمله مرَّتين أولاً وثانياً.
روى ابن عبَّاس عن أبيِّ بن كعب، قال : قال رسول الله ﷺ :« رَحْمَةُ الله عليْنَا، وعلى مُوسَى » وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بدأ بنفسه « لولا أنَّه عجَّل، لرأى العجب، ولكنَّه أخذته من صاحبه ذمامة، قال :» إنْ سألتُكَ عَن شيءٍ بعدها، فلا تُصَاحِبنِي، قَدْ بلغْتَ من لدُنِّي عُذْراً؛ فلو صبر، لرأي العجب «.
قوله :﴿ فانطلقا حتى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعمآ أَهْلَهَا ﴾ الآية.
قال ابن عباس : هي أنطاكية.
وقال ابن سيرين : هي [ الأبلة ]، وهي أبعد الأرض من السَّماء وقيل : بَرْقَة.
وعن أبي هريرة : بلدة بالأندلس.
﴿ استطعمآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا ﴾ قال أبي بن كعبٍ عن النبي ﷺ : حتَّى إذا أتيا أهل قريةٍ لئاماً، فطافَا في المجلسِ فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما.
وروي أنَّهما طافا في القرية، فاستطعماهم، فلم يطعموهما، فاستضافاهم، فلم يضيِّفوهما.
قال قتادة : شرُّ القرى التي لا تضيِّف الضَّيف.
وروي عن أبي هريرة :»
أطعمتهما امرأةٌ من أهل بربر بعد أن طلبا من الرِّجال، فلم يطعموهما؛ فدعوا لنسائهم، ولعنا رجالهم «.


الصفحة التالية
Icon