قال شهابُ الدِّين :« وفيه نظرٌ؛ لأن قوله لا يتوجه إليه العامل أيك لا يمكن، نحو : ضحك القوم إلا حمارهم، وصهلت الخيلُ إلا الإبل. أمَّا هذا، فيمكن الإرسال إليهم من غير منع، وأمَّا قوله : لأنهم لم يرسلوا إليهم فصحيح؛ لأنَّ حكم الاستثناء كلَّه هكذا، وهو أن يكون خارجاً عمَّا حكم به على الأوَّل، لكنَّه لو سلط عليه لصحَّ ذلك بخلاف ما تقدَّم من أمثلتهم ».
قوله :﴿ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ قرأ الأخوان :« لمُنْجُوهمْ » مخففاً؛ وكذلك خففا أيضاً فعل هذه الصيغة في قوله تعالى في العنكبوت ﴿ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾ [ العنكبوت : ٣٢ ] ؛ وكذلك خففا أيضاً قوله فيها :﴿ إِنَّا مُنَجُّوكَ ﴾ [ العنكبوت : ٣٣ ] فهما جاريتان على سننٍ واحدٍ.
وقد وافقهما ابن كثير، وأبو بكر على تخفيف :« مُنجوكَ » كأنهما جمعا بَيْنَ اللغتين، وباقي السبعة بتشديد الكل. والتخفيف والتشديد لغتان مشهورتان من : نَجَّى وأنْجى، وأنزلَ، ونزَّل، وقد نطق بفعلهما، قال :﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ ﴾ [ العنكبوت : ٦٥ ] وفي موضع ﴿ أَنجَاهُمْ ﴾ [ يونس : ٢٣ ].
قوله :﴿ امرأته ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه استثناء من « آل لُوطٍ ». قال أبو البقاء رحمه الله :« والاستنثاء إذا جاء عبد الاستثناء كان الاستثناء الثاني مضافاً إلى المبتدا كقولك :» لهُ عِندِي عشرةٌ إلا أربعة إلا درهماً « فإن الدرهم يستثنى من الأربعة، فهو مضاف إلى العشرة، فكأنك قلت : أحد عشرة إلاَّ أربعة، أوعشرة إلاَّ ثلاثة ».
والثاني : أنها مستثناةٌ من الضمير المجرور في قوله « لمُنَجوهمْ ».
وقد منع الزمخشري رحمهن الله الوجه الأول، وعيَّن الثاني فقال :« فإن قلت : قوله :» إلا امرأتهُ « مِمَّ استثني؟ وهل هو استثناء نم استثناء؟.
قلت : مستثنى من الضمير المجرور في قوله :» لمُنَجُّوهم «، وليس من الاستثناء في شيء؛ لأن الاستثناء م الاستثناء إنَّما يكون فيما اتَّحد الحكم فيه، وأن يقال : أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأتهُ، كما اتَّحد في قول المطلِّق : أنت طالقٌ ثلاثاً إلا اثنين إلا واحدة، وقول المقرّ : لفلان علي عشرة درارهم إلا ثلاثة إلا درهماً، اما الآية فقد اختلف الحكمان؛ لأنّ :» آل لوطٍ « متعلق ب » أرْسَلْنَا « أوة ب » مُجرمِينَ «، و » إلاَّ امْرأتهُ « قد تعلَّق بقوله :» لمُنجوهم « فأنَّى يكون استثناء من استثناء ».
قال أبو حيَّان : ولما استسلف الزمخشري أنَّ « امرأتهُ » استثناء من الضمير في لمُنجُّوهم « أبى أن يكون استثناء من استثناء، ومن قال : إنه استثناء من استثناء، فيمكن [ تصحيح قوله ] بأحد وجهين :
أحدهما : أنه لما كان امرأته مستثنى من الضمير في » لمُنَجوهُم «، وهو عائدٌ على » آل لوطٍ « صار كأنَّه مستثنى من :» آل لوطٍ « ؛ لأنَّ المضمر هو الظاهر.