قوله :﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ﴾ ضمَّن القضاء معنى الإيجاء؛ فلذلك تعدَّى تعيدته « إلى »، ومثله ﴿ وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الإسراء : ٤ ].
و « ذَلكَ الأمْرَ » « ذَلِكَ » مفعول القضاءِ، والإشارة به إلى ما وعد من إهلاكِ قومه، و « الأمْرَ » إمَّا بدلٌ منه، أو عطف بيانٍ له.
قوله :﴿ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ ﴾ العامة على فتح « أنَّ » وفيها أوجه :
أحدها : أنها بدل من « ذَلِكَ » إذا قلنا :« الأمْرَ » عطف بيان.
الثاني : أنَّها بدلٌ من « الأمْرَ » سواء قلنا : إنه بيان أو بدل مما قبله.
الثالث : أنه على حذف الجار، أي : بأنَّ دابر، ففيه الخلاف المشهور.
وقرأ زيد بن علي، والأعمش بكسرها؛ لأنه بمعنى القول.
وعلَّله أبو حيان : بأنه لمَّا علق ما هو بمعنى العلم؛ كسر.
وفيه النظر المتقدم.
ويؤيِّد إضمار القول قراءة ابن مسعودٍ : وقلنا إنَّ دابر هؤلاء.
ودابرهم : آخرهم « مَقطوعٌ » مستأصل، يعني مستأصلون عن آخرهم؛ حتى لا يبقى منهم أحد « مُصْبحينَ »، أي في حال ظهور الصبح، فهو حال من الضمير المستتر في :« مَقطُوعٌ »، وإنَّما جمع حملاً على المعنى، وجعله الفرَّاء، وأبو عبيدة خبراً لكان المضمرة، قالا : تقديره : إذا كانوا مصبحين، نحو « أنْتَ مَاشِياً أحسنُ مِنْكَ رَاكِباً ».
وهو تكلفٌ، و « مُصْبحِينَ » داخلين في الصَّباحِ.
قوله :﴿ وَجَآءَ أَهْلُ المدينة ﴾، أي : مدينة لوط، يعني :« سدُوم » « يَسْتبشِرُونَ » حالٌ، أي : يستبشرون بأضياف لوطٍ، يبشر بعضهم بعضاً في ركوب الفاحشة منهم.
قيل : إنَّ الملائكة لما كانوا في غاية الحسن اشتهر خبرهم.
وقيل : أخبرتهم امرأة لوطٍ بذلك؛ فذهبوا إلى دارِ لوطٍ؛ طلباً منهم لأولئك المردِ.
فقال لهم لوط صلوات الله وسلامه عليه :« هَؤلاءِ ضَيْفِي » وحق على الرجل إكرام ضيفه، « فلا تَفْضحُونِ » فيهم.
يقال : فَضحَهُ يَفضحُه فَضْحاص، وفَضِيحَةً، إذا أظهر من أمره ما يلزمه به العار، والفَضِيحُ والفَضِيحةُ : البيان، والظُّهورُ، ومنه : فَضِيحَةُ الصُّبْحِ؛ قال الشاعر :[ البسيط ]

٣٢٨٢ وَلاحَ ضَوءُ هِلالِ اللَّيْلِ يَفْضحُنَا مِثْلَ القُلامَةِ قَدْ قُصَّتْ مِنَ الظُّفُرِ
إلا أنَّ الفضحية اختصت بما هو عارٌ على الإنسان عند ظهوره.
ومعنى الآية : أن الضيف يجب إكرامه، فإذا قصدتموه بالسُّوءِ كان ذلك إهانة بي، ثمَّ أكد ذلك بقوله :﴿ واتقوا الله وَلاَ تُخْزُونِ ﴾ ولا تخجلون، فأجابوه بقولهم :﴿ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين ﴾، أي : عن أن تضيِّف أحداً من العالمين.
وقيل : ألم ننهك أن تدخل الغرباء المدينة؛ فإنا نركبُ منه الفاحشة.
قوله :﴿ هَؤُلآءِ بَنَاتِي ﴾ يجوز فيه أوجه :
أحدها : أ، يكون ﴿ هَؤُلآءِ بَنَاتِي ﴾ مفعولاً بفعل مقدرٍ، أي : تزوَّجُوا هؤلاء، و « بَناتِي » بدلٌ، أو بيانٌ.


الصفحة التالية
Icon