وقرأ الأعمش :« سَكْرهُمْ » بغير تاء، وابن أبي عبلة « سَكرَاتهِمِ » جمعاً، والأشهب :« سُكْرتِهِم » بضم السين.
و « يَعْمَهُونَ » حال إمَّا من الضمير المستكن في الجار، وإمَّا من الضمير المجرور بالإضافة، والعامل إمَّا نفس سكرة، لأنَّها مصدر، وإمَّا معنى الإضافة.
فصل
قيل : إن الملائكة عليهم السلام قالت للوطٍ صلوات الله وسلامه عليه « لعَمُركَ إنَّهم لَفِي سَكرتِهمْ يَعْمَهُونَ » : يتحيَّرون.
وقال قتادة : يلعبون فكيف يعقلون قولك ويتلفتون إلى نصيحتك؟.
وقيل : إنَّ الخطاب لرسول الله ﷺ وإنَّه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحدٍ.
روى أبو الجوزاء عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال ما خلقَ الله نفساً أكرم على الله من محمدٍ ﷺ، وما أقْسمَ بحياةِ أحدٍ إلاَّ بحياتهِ.
قال ابن العربي : قال المفسرون بإجماعهم : أقسم الله تعالى ها هنا بحياةِ محمدٍ ﷺ تشريفاً له، أنَّ قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حريتهم يترددون، وقال القاضي عياضٌ : اتفق أهل التفسير في هذا : أنَّه قسم من الله تعالى بمدة حياة محمد ﷺ وأصله ضمُّ العين من العمر، ولكنها فتحت بكثرة.
قال ابن العربي : ما الذي يمنعُ أن يقسم الله تعالى بحياة لوطٍ، ويبلغ به من التشريف ما شاء، وكلُّ ما يعيطه الله للوطٍ من فضل، يعطي ضعفه لمحمد ﷺ ؛ لأنَّه أكرم على الله منه؛ أو لات تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلَّة، وموسى التكليم، وأعطلى ذلك لمحمدٍ ﷺ، فإذا أقسم بحياة لوطٍ، فحياة محمدٍ ﷺ أرفعُ، ولا يخرج من كلام إلى كلام لم يجر له ذكرٌ لغير ضرورةٍ.
قال القرطبيُّ : ما قاله حسنٌ، فإنَّه كان يكون قسمة سبحانه بحياة محمد ﷺ، كلاماً معترضاً في قصَّة لوط.
قال القشيريُّ : يحتمل أن يرجع ذلك إلى قوم لوطٍ؛ أي كانوا في سكرتهم يعمهون، أي لمَّا وعظ لوطٌ قومه وقال : هؤلاء بناتي، قالت الملائكة : يا لوط لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، ولا يدرون ما يحلُّ بهم صباحاً.
فإن قيل : فقد أقسم الله تعالى بالتِّين، والزَّيتونِ، وطور سنين، وما في هذا من الفضل؟ قيل له : ما من شيء أقسم الله به، إلاّ وفي ذلك دلالة على فضل على ما يدخل في عداده، فكذلك محمد ﷺ.
ثم قال :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة ﴾، ولم يذكر في الآية صيحة من هي فإن ثبت بدليل قوي أن تلك صيحة جبريل قيل به وإلا فليس في الآية دليلٌ على أنه جاءتهم صيحة مهلكة.