وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنهم اليهود، والنصارى ﴿ جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ ﴾ جزءوه أجزاء، فآمنوا بما وافق التَّوراة، وكفروا بالباقي.
وقال مجاهد : قسموا كتاب الله تعالى ففرقوه، وبدلوه.
وقيل : قسَّموا القرآن، وقال بعضهم : سحر، وقال بعضهم : شعر، وقال بعضهم : كذبٌ، وقال بعضهم : ِأساطير الأولين.
وقيل : الاقتسام هو أنهم فرَّقوا القول في رسول الله ﷺ، فقال بعضهم : شاعرٌ، وقال بعضهم : كاهنٌ.
قوله :﴿ الذين جَعَلُواْ ﴾ فيه أوجه :
أظهرها : أنه نعت ل « المٌقْتَسمِينَ ».
الثاني : أنه بدلٌ منه.
الثالث : أنه بيانٌ.
الرابع : أنه منصوبٌ على الذَّمِّ.
الخامس : أنه خبر مبتدأ مضمرٍ.
السادس : أنه منصوب ب « النَّذيرُ المبِينُ » كما قاله الزمخشريُّ.
وهو مردود بإعمال الوصف بالموصوف عند البصريين كما تقدَّم.
و « عِضِينَ » جمع عِضَة، وهي الفرقة، والعِضِين : الفِرَق، وتقدم معنى جعله القرآن كذلك، ومعنى العِضَة : السِّحر بلغة قريش، يقولون : هو عَاضهُ، وهي عَاضِهَة، قال :[ المتقارب ]

٣٢٩٢ أعُودذُ بِربِّي مِنَ النِّافِثَاتِ في عٌقَدِ العَاضِهِ المُعْضهِ
وفي الحديث :« لَعنَ اللهُ العَاضِهةً والمُسْتعضِهَة »، أي السَّاحربة، والمسُتسْحِرَة وقيل : هو من العضه، وهو : الكذب، والبهتان، يقال : عَضَهُ عَضْهَاً، وعضيهةً، أي : رماه بالهتان، وهذا قول الكسائي رحمه الله تعالى.
وقيل : هو من العِضَاه، وهو شجر له شوكٌ مؤذٍ، قاله الفرَّاء.
وفي لام « عِضَة » قولان يشهد لكلِّ منهنما التصريف :
الاول : الواو، لقولهم : عِضَوات، وعَاضَة، وعَاضِهَة، وعِضَة، وفي الحديث « لا تَعْضِية في مِيراثٍ »، وفسِّر : بأ، لا تفريق فيما يضر بالورثة تفريقه كسيفٍ يكسر نصفين فينقص ثمنه.
وقال الزمخشريُّ :« عِضِينَ » : أجزاء، جمع عِضَة، وأصلها عِضْوَة، فعلة من عضَّى الشاة، إذا جعلها أعضاءِ؛ قال :[ الزاجر ]
٣٢٩٣ وليْسَ دِينُ اللهِ بالمُعَضَّى... وجمع « عِضَة » على « عِضِين »، كما جمع سنة، وثبة، وظبة وبعضهم يجري النون بالحركات مع التاء، وقد تقدم تقرير ذلك، وحينئذ تثبت نوه في الإضافة، فيقال : هذه عضينك.
وقيل : واحد العِضِين : عِضَةٌ، وأصلها : عِضْهَةٌ، فاستثقلوا الجمع بين هاتين، فقالوا : عِضَةٌ، كما قالوا : شَفَةٌ، والأصل : شَفْهَةٌ، بدليل قولهم : شافهنا.
قوله :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ يحتمل أن يعود الضمير إلى المقتسمين؛ لأن الأقرب، ويحتمل أن يعود إلى جميع المكلفين، لأنَّ ذكرهم تقدَّم في قوله تعالى :﴿ وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين ﴾ أي : لجميع [ الخلائق ].
﴿ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ قال القرطبي : في البخاري : قال عدَّة من أهل العلم في وقوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ عن لا إله إلا الله.
فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ وبين قوله :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ ﴾


الصفحة التالية
Icon