« لا زَكَاةَ في الحُلِيّ ».
ويمكن أن يجاب على تقدير صحَّة الحديث : بأنَّ لفظ « الحُلِيّ » مفرد محلى بالألف واللام؛ فيحمل على المعهود السابق، وهو المذكور في هذه الآية، فيصير تقدير الحديث : لا زكاة في اللآلئ، وحينئذٍ يسقط الاستدلال بالحديث.
النوع الثالث من منافع البحر : قوله تعالى :﴿ وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ قال أهل اللغة : مَخْرُ السَّفينةِ شقُّها الماء بصدرها. وعن الفراء : أنه صوتُ جَرْي الفلك بالرِّياحِ.
إذا عرفت هذا، فقول ابن عبَّاسٍ :« مَواخِرَ » أي : جَوارِي، إنما حسن التفسير به؛ لأنها لا تشقُّ الماء إلاَّ إذا كانت جارية. وقوله تعالى :﴿ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ يعني : لتركبوه للتجارة؛ فتطلبوا الريح من فضل الله، وإذا وجدتم فضل الله تعالى وإحسانه؛ فلعلكم تقدمون على شكره.
قال القرطبي :« امتنَّ الله على الرِّجالِ والنساء امتناناً عامًّا بما يخرج من البحر، فلا يحرم عليهم شيء منه، وإنَّما حرَّم الله - تعالى - على الرجال الذهب والحرير.
قال - صلوات الله وسلامه عليه - في الحرير والذهب :»
هَذا حَرامٌ على ذُكورِ أمَّتِي حلٌّ لإنَاثهَا «.
وروى البخاريُّ أنَّ النبي ﷺ اتَّخذَ خاتماً من فضَّة ونقش فيه محمَّد رسول الله »
.

فصل


من حلف لا يلبس حلياً، فلبس لؤلؤاً لم يحنث، وهو قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -.
وقال بعض المالكية :« هذا، وإن كان الاسم اللغويُّ يتناوله فلم يقصده باليمين، والأيمان مبنية على العرف، ألا ترى أنه لو حلف لا ينام على فراش فنام على الأرض لم يحنث وكذلك لو حلف لا يستضيء بسراج، وجلس في ضوء الشمس لا يحنث، وإن كان الله سمى الأرض فراشاً والشمس سراجاً ».
قوله :﴿ وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ ﴾، « تَرَى » جملة معترضة بين التعليلين : وهما « لِتأكُلوا »، « ولِتَبْتغُوا »، وإنما كانت اعتراضاً، لأنه خطاب لواحدٍ بين خطابين لجمعٍ.
و « فِيهِ » يجوز أن يتعلَّق ب « تَرَى » وأن يتعلق ب « مَوَاخِرَ » لأنها بمعنى شواقٍّ، وأن يتعلق بمحذوفٍ؛ لأنه حال من « مَواخِرَ » أو من الضمير المستكنِّ فيه.
و « مَواخِرَ » جمع مَاخِرَة، والمَخْرُ : الشقُّ، يقال : مَخرتِ السَّفينةُ البَحْرَ، أي : شقَّتهُ، تَمْخرُه مَخْراً ومُخوراً، ويقال للسُّفنِ : بَناتُ مَخْرٍ وبَخْرٍ، بالميم والباء بدل منها.
وقال الفراء : هُوَ صوتُ جري الفلك، وقيل : صوتُ شدَّة هُبوبِ الرِّيح، وقيل بنات مَخْر لسحاب [ ينشأ ] صيفاً، وامْتخَرْتَ الرِّيحَ واسْتَخْرْتَهَا : إذا استقبلتها بأنفك.
وفي الحديث :« اسْتَمخِرُوا الرِّيحَ وأعِدُّوا النبْلَ » يعني في الاستنجاءِ، اي : ينظر أين مجراها وهبوبها؛ فليستدبرها؛ حتَّى لا يرد عليه البول.


الصفحة التالية
Icon