وليس كما ذكر.
وقيل : الإلقاءُ معناه الجعلُ، قال تعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا ﴾ [ فصلت : ١٠ ] وقدره أبو البقاء :« وشقَّ فيها أنْهاراً » وهو مناسبٌ.
واعلم أنَّه ثبت في العلوم العقليَّة، أنَّ أكثر الأنهار إنما يتفجرُ منابعها في الجبال، فلهذا [ السبب ] لمَّا ذكر الجبال، أتبع ذكرها بتفجير العيون والأنهار.
قوله « وسُبُلاً » أي : وذلَّل، أو وجعل فيها طرقاً؛ لتهتدوا بها في أسفاركم؛ كقوله تعالى :﴿ وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً ﴾ [ طه : ٥٣ ] إلى ما تريدون.
وقوله :﴿ وَعَلامَاتٍ ﴾ أي : وضع فيها علاماتٍ.
قوله :« وبِالنَّجْمِ » متعلق ب « يَهْتَدُون » والعامة على فتح النون، وسكون الجيم، بالتوحيد، فقيل : المراد به : كوكب بعينه وهو الجَدْي أو الثُّريَّا.
وقيل : بل هو اسم جنس، وقرأ ابنُ وثَّاب : بضمهما، والحسن : بضمِّ النون فقط، وعكس بعضهم النقل عنهما.
فأمَّا قراءة الضمتين، ففيها تخريجان :
أظهرهما : أنه جمع صريح؛ لأنَّ فعلاء يجمع على فعل؛ نحو :« سَقْقٌ وسُقُف، وزَهْر وزُهُر ».
والثاني : أنَّ أصله النجوم، وفعل يجمع على فعول؛ نحو : فَلْس وفُلُوس، ثم خفِّف بحذف الواو، كما قالوا : أسُد وأسُود وأسْد.
قال أبو البقاء؛ « وقالوا في » خِيَام : خُيُم « يعني أنَّه نظيرهُ من حيث حذفوا فيه حرف المدِّ.
وقال ابن عصفورٍ :»
إنَّ قولهم :« النُّجُم » من ضرورات الشِّعر « وأنشد :[ الرجز ]
٣٣٠٦- إنَّ الذي قَضَى بِذَا قاضٍ حِكمْ... أن تَرِدَ الماءَ إذَا غَابَ النُّجُمْ
يريد النجوم. كقوله :[ الرجز ]
٣٣٠٧- حَتَّى إذَا بُلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ... يريد الحُلُوق.
وأمَّا قراءة الضمِّ، والسكون، ففيها وجهان :
أحدهما : أنها تخفيف من الضمِّ.
والثاني : أنها لغة مستقلة. وتقديم كلِّ من الجارِّ، والمبتدأ، يفيد الاختصاص، قال الزمخشريُّ - C- :»
فإن قلت : قوله تعالى :﴿ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ مختصٌّ بسفرِ البحر؛ لأنه تعالى لما ذكر صفة البحر، ومنافعه، بيَّن أنَّ من يسير فيه يهتدون بالنجم.
وقال بعضهم : هو مطلقٌ في سفر البحر والبرِّ.

فصل في المراد بالعلامات


المراد بالعلاماتِ : معالمُ الطريق، وهي الأشياء التي يهتدى بها، وهذه العلامات هي الجبالُ والرياحُ.
قال ابنُ الخطيب :« ورايتُ جماعة يشمُّون التراب؛ فيعرفون الطرقان بشمِّه ».
قال الأخفش - C- : تم الكلام عند قوله :« وعَلامَاتٍ » ثم ابتدأ :﴿ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾.
وقال محمد بن كعبٍ القرظيِّ، والكلبيُّ - رحمهما الله- : الجبالُ علاماتُ النَّهار، والنجوم علامات الليل.
قال السديُّ : أراد بالنجم : الثُّريَّا، وبنات نعش، والفرقدين، والجدي، يهتدى بها إلى الطرق، والقبلة.
قال القرطبيُّ : سأل ابنُ عباس رسول الله ﷺ وشرَّف وكرَّم - عن النَّجم؛ فقال - صلوات الله وسلامه عليه- :


الصفحة التالية
Icon