فليس ذلك إلاَّ على مذهب من يزعم أن أصله : إله، وأما من يزعم أن أصله : لاه. فلا تكون الهمزة فيه للتعويض « إذْ لم يحذف منه شيء، ولو قلنا : إنَّ أصله إله، وحذفت فاء الكلمة لم يتعين أن الهمزة فيه في النداء للتعويض »، إذ لو كانت عوضاً من المحذوف لثبتت دائماً في النداء وغيره، ولما جاز حذفها في النداء، قالوا : يا الله بحذفها، وقد نصوا على أن « قطع » همزة الوصل في النداء شاذ.
وقرأ الجمهور :« أءِذَا » بالاستفهام، وهو استبعاد كما تقدم. وقرأ أبو ذكوان بخلاف عنه، وجماعة « إذَا » بهمزة واحدة على الخبر أو الاستفهام وحذف أداته للعلم بها، ولدلالة القراءة الأخرى عليها.
وقرأ طلحة بن مصرِّف « لسَأخرجُ » بالسين دون سوف. هذا نقل الزمخشري عنه. وغيره نقل « سَأخْرَجُ » دون لام الابتداء، وعلى هذه القراءة يكون العامل في الظرف نفس « أخْرَجُ »، ولا يمنع حرف التنفيس على الصحيح.
وقرأ العامة « أخْرَجُ » مبنياً للمفعول. والحسن، وأبو حيوة « أخْرُجُ » مبنياً للفاعل. و « حيًّا » حال مؤكدة، لأنَّ من لازم خروجه أن يكون حيًّا، وهو كقوله :﴿ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ [ مريم : ٣٣ ].

فصل


لما أمر بالعبادة والمصابرة عليها، فكأنَّ سائلاً سأل وقال : هذه العبادات لا منفعة فيها في الدنيا، وأمَّا في الاخرة فقد أنكرها قوم، فلا بُدَّ من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى تظهر فائدة الاشتغال بالعيادة، فلهذا حكى الله -تعالى- قول منكري الحشر، فقال :﴿ وَيَقُولُ الإنسان ﴾ الآية : قالوا ذلك على سبيل افنكار والاستبعاد وذكروا في الإنسان وجهين :
أحدها : أن يكون المراد الجنس كقوله :﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان ﴾ [ الإنسان : ١ ].
فإن قيل : كلهم غير قائلين بذلك، فكيف يصح هذا القول؟.
فالجواب من وجهين : الأول : أنَّ هذه المقولة لمَّا كانت موجودة في جنسهم صحَّ اسنادها إلى جميعهم، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلاناًَ، وإنما القاتل رجل منهم.
الثاني : أنَّ هذا الاستبعاد موجود ابتداء في طبع كل أحد إلاَّ أنَّ بعضهم تركه للدلالة القاطعة على صحة القول به.
القول الثاني : أنَّ المراد بالإنسان شخص معين، فقيل : أبيُّ بن خلف الجمحي.
وقيل : أبو جهل. وقيل : المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث.
ثم إن الله -تعالى- أقام للدلالة على صحة البعث فقال :﴿ أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ ﴾ الآية قرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وجماعة :« يَذْكُرُ » مضارع ذكر.
والباقون بالتشديد مضارع تذكَّر. والأصل : يتذكر، فأدغمت التاء في الذال. وقد قرأ بهذا الأصل وهو « يتذكَّر » أبيٌّ.
والهمزة في قوله :« أو لا يذكُرُ مؤخرة على حرف العطف تقديراً كما هو قول الجمهور وقد رجع الزمخشري إلى قول الجمهور هنا فقال : الواو عطفت » لا يذكُرُ « على » يَقُولُ « ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف » عليه « وحرف العطف.


الصفحة التالية
Icon