قوله تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾ الآية.
« أفَرَأيْتَ » عطف بالفاء إيذاناً بإفادة التعقيب، كأنه قيل : أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر عقيب أولئك. وأرأيت بمعنى : أخبرني كما تقدم، والموصول هو المفعول الأول، والثاني هو الجملة الاستفهامية من قوله :« أطَّلع الغَيْبَ ».
و « لأوتَينَّ » جواب قسمٍ مضمر، والجملة القسمية كلها في محل نصب بالقول.
وقوله هنا « وولداً »، وفي آخر السورة :﴿ وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً ﴾ [ مريم : ٨٨ ] موضعان وفي الزخرف ﴿ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ ﴾ [ الآية : ٨١ ]، وفي نوح ﴿ مَالُهُ وَوَلَدُهُ ﴾ [ الآية : ٢١ ].
وقرأ الأخوان الأربعة بضم الواو وسكون اللام، ووافقهما ابن كثير وأبو عمرو على الذي في نوح دون السورتين، والباقون وهم نافع وابن عامر وعاصم قرأوا ذلك كلَّه بفتح اللام والواو. فأمَّا القراءةُ بفتحتين فواضحة، وهو اسم مفرد قائم مقام الجمع.
وأما قراءة الضم والإسكان، فقيل : هي كالتي قبلها في المعنى، يقال : وَلَدٌ ووُلْدٌ كما يقال : عَربٌ وعُرْبٌ، وعدمٌ وعُدْمَ.
وقيل : بل هي جمع ل « ولد » نحو أسَدٌ وأسْدٌ، « وأنشدوا على ذلك :

٣٦٢١- ولقَد رَأيْتُ مَعَاشِراً قَدْ ثَمَّرُوا مالاً ووُلدا »
وأنشدوا شاهداً على أن الوَلَد والوُلْدَ مترادفان قول الآخر :
٣٦٢٢- فَلَيْتَ فُلاناً كان في بَطْنِ أمِّهِ وليْتَ فُلاناً كانَ وُلْدَ حمارِ
وقرأ عبد الله ويحيى بن يعمر « ووِلْدا » بكسر الواو، وهي لغة الولد، ولا يبعد أن يكون هذا من باب الذبح والرئي، فيكون ولد بمعنى مولود، وكذلك في الذي بفتحتين نحو القبض بمعنى المقبوض. قوله :« اطَّلَعَ » هذه همزة استفهام سقط من أجلها همزة وصل، وقد قُرئ بسقوطها درجاً، وكسرها ابتداء على أن همزة الاستفهام قد حذفت لدلالة « أمْ » عليها، كقوله :
٣٦٢٣- لَعمركَ مَا أدْرِي وإنْ كُنْتَ دَارياً بسَبْعٍ رمَيْنَ الجَمْرَ أمْ « بِثَمَانِ »
و « أطَّلعَ » من قولهم : اطلع فلان الجبل، أي : ارتقى أعلاه.
٣٦٢٤- لاقَيْتَ مُطَّلِعَ الجِبَالِ « وعُوراً »... و « الغَيْبَ » مفعول به، لا على إسقاط حرف الجر، أي : على الغيب، كما زعم بعضهم.

فصل


لمَّا استدل على صحة البعث، وأورد شبهة المنكرين، وأجاب عنها ذكر عنهم ما قالوه استهزاء طعناً بالقول في الحشر فقال :﴿ أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾. قال الحسن : نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها نزلت في العاص بن وائل، قال خباب بن الأرت : كان لي عليه دين، فأتيت أتقاضاه، فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. فقلت : لا والله لا أكفر بمحمدٍ حيًّا ولا ميتاً. وفي رواية : حتى تموت ثم تبعث. فقال : وإنّي لميتٌ ثم مبعوثٌ؟ قلت : نعم. قال : إنكم تزعمون أنكم تبعثون، وأن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً فأنا أقضيك ثمَّ، فإنه سيكون لي مالٌ وولد.


الصفحة التالية
Icon