ثم قال تعالى :﴿ أَطَّلَعَ الغيب ﴾. « قال ابن عباس : أنظر في اللوح المحفوظ ».
وقال مجاهد : أعلمَ علن الغيب حتى يعلم افي الجنة هو أم لا؟.
والمعنى : أنَّ الذي ادعى حصوله لا يتوصل إلاَّ بأحد هذين الطريقين : إمَّا علم الغيب، وإمَّا عهدٌ من عالم الغيب، فبأيهما توصل إليه.
قيل : العهد كلمة الشهادة. وقال قتادة : عملاً صالحاً قدَّمه، فهو يرجو بذلك ما يقول. وقال الكلبي : عهد إليه أن يدخله الجنة.
« كَلاَّ » للنحويين في هذه اللفظة ستة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن الأخفش وأبي العباس أنها حرف ردع وزجر.
وهذا معنى لائق بها حيث وقعت في القرآن، وما أحسن ما جاءت في هذه الآية حيث زجرت وردعت ذلك القائل.
والثاني : وهو مذهب النضر بن شميل أنها حرف تصديق بمعنى نعم، فيكون جواباً، ولا بد حينئذ من أن يتقدمها شيء لفظاً أو تقديراً، وقد تستعمل في القسم.
والثالث : وهو مذهب الكسائي، وأبي بكر بن الأنباري، « ونصر بن يوسف » وابن واصل أنها بمعنى حقًّا.
والرابع : وهو مذهب أبي عبد الله محمد بن الباهلي أنها رد لما قبلها. وهذا قريب من معنى الردع.
الخامس : أنها صلة في الكلام بمعنى « إي » كذا قيل. وفيه نظر، فإن « إي » حرف جواب، ولكنه مختص بالقسم.
السادس : أنها حرف استفتاح، وهو قول « أبي حاتم ولتقرير هذه المذاهب موضع يليق به.
وقد قرئ هنا بالفتح والتنوين في كَلاَّ »
هذه، وتروى عن ابن نهيك وحكى الزمخشري هذه القراءة، وعزاها لابن نهيك في قوله :﴿ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ ﴾ كما سيأتي ويحكى أيضاً قراءةٌ بضم الكاف والتنوين، ويعزيها لابن نهيك أيضاً «.
فأما قولهم : ابن نهيك، فليس لهم ابن نهيك، إنما لهم أبو نهبك بالكنية.
وفي قراءة الفتح »
والتنوين أربعة أوجه :
أحدها : أنَّه منصوبٌ على المصدر بفعل مقدر من لفظها تقديره « : كَلُّوا كَلاًّ، أي : أعيُوا عن الحقِّ إعياء، أو كلُّوا عن عبادة الله، لتهاونهم بها من قول العرب : كَلَّ السَّيْفُ، إذا نبا عن الضرب، وكلَّ زيدٌ، أي تعِبَ. وقيل : المعنى : كلُّوا في دعواهم وانقطعوا.
والثاني : أنه مفعولٌ به بفعل مقدر من معنى الكلام، تقديره : حُمِّلُوا كلاًّ. والكلُّ أيضاً : الثقل : تقول : فلان كلٌّ على الناس، ومنه قوله تعالى :﴿ وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ ﴾ [ النحل : ٧٦ ].
والثالث : أن »
التنوين بدل من ألف « » كلاَّ «، وهي التي يراد بها الردع والزجر، فتكون حرفاً أيضاً.
قال الزمخشري : ولقائل أن يقول : غن صحت هذه الرواية، فهي »
كلاَّ « التي للردع » قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قوله :« قوارِيرا ».


الصفحة التالية
Icon