فصل
قال المفسرون : اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى الرحمن إلى جنته وفْداً، أي جماعات، جمع وافد مثل راكب ورَكْب وصاحب وصَحْب. وقال ابن عباس : رُكْبَاناً : وقال أبو هريرة : على الإبل.
وقال علي بن أبي طالب- « رضي الله عنه » - : ما يُحْشَرون والله على أرجلهم، ولكن على نوق رجالها الذهب، ونجائب سروجها ياقوت إن هموا بها سارت وإنْ همُّوا طارت. ﴿ وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ أي : مُشاة، وقيل : عطاشاً قد تقطعت أعناقهم من العطش.
وقوله « ونَسُوق المجرمينَ » يدل على أنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم عطاش تساق إلى الماء، والوِرْدُ للعطاش وحقيقة الوِرْد الميسرُ إلى الماء، فسمي به « الواردون ».
فصل
طعن الملاحدة في قوله :﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن ﴾ فقالوا : هذا إنما يستقيم أن لو كان الحشر عند غير الرحمن، أما إذا كان الحشر عند الرحمن، فهذا الكلام لا ينتظم. وأجاب المسلمون : بأنَّ التقدير : يوم نحشرُ المتقِّين إلى محلِّ كرامةِ الرحمن.
قوله :« لا يَمْلِكُون » في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها مستأنفة سيقت للإخبار بذلك.
والثاني : أنَّها في محل نصب على الحال مما تقدم.
وفي هذه الواو قولان :
أحدهما : أنها علامة للجمع ليست ضميراً ألبتة، وإنما هي علامة، كهي في لغة أكلُوني البراغيثُ والفاعل « من اتَّخَذَ » لأنه في معنى الجمع قاله الزمخشري وفيه بعدٌ، وكأنه قيل : لا يملكُون الشفاعةَ إلاَّ المتَّخِذُون عَهْداً.
قال أبو حيَّان : ولا ينبغي حملُ القرآن على هذه اللغة القليلة، مع وضوح جعل الواو ضميراً. وقد قال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور : إنَّها لغةٌ ضعيفة.
قال شهابُ الدين : قد قالوا ذلك في قوله :﴿ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ [ المائدة : ٧١ ] ﴿ وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ ﴾ [ الأنبياء : ٣ ] فلهذا الموضع بهما أسوة. ثم قال أبو حيان : وأيضاً فالألف، والواو، والنون التي تكون علامات لا ضمائر لا يحفظ ما يجيء بعدها فاعلاً إلا بصريح الجمع، وصريح التثنية، « أو العطف »، أما أن يأتي بلفظ مفرد ويطلق على جمع أو مثنى، فيحتاج في إثبات مثل ذلك إلى نقل، وأما عودُ الضمائر مثناة أو مجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى والمجموع فمسموع معروف في لسان العرب، على أنه يمكن قياس هذه العلامات على تلك الضمائر ولكن الأحوط أن لا يقال إلا بسماع.
والثاني : أن الواو ضميرٌ، وفيما يعود عليه حينئذ أربعة أوجه :
أحدها : أنها تعود على الخلق جميعهم، لدلالة ذكر الفريقين المتقين والمجرمين عليهم، إذ هما قسماه.
والثاني : أنه يعود على المتقين والمجرمين، وهذا لا يظهر مخالفته للأول أصلاً. لأن هذين القسمين الخلقُ كلُّه.
والثالث : أنَّه يعوج على المتقين فقط، أو المجرمين فقط، وهو تحكُّم.