فإن قيل من أين يؤثر القول بإثبات الولد لله في انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال؟ فالجوابُ من وجوه :
« الأول : أنَّ الله - تعالى- يقول : كدت أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود » هذه الكلمة غضباً منِّي على من تفوَّه بها، لولا حلمي، وإني لا أعجِّل بالعقوبة، كقوله- تعالى- :﴿ إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ [ فاطر : ٤١ ].
الثاني : أن يكون استعظاماً للكلمة، وتهويلاً من فظاعتها، وهدمها لأركان الدين وقواعده.
الثالث : أنَّ السمواتِ والأرضِ والجبال تكاد أن تفعل ذلك لو كانت تعقل من غلظ هذا القول، وهذا تأويل أبي مسلم.
الرابع : أنَّ السموات والأرض والجبال كانت سليمة من كل العيوب، فلما تكلم بنو آدم بهذا القول ظهرت العيوب فيها.
قوله :« هدَّا » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنَّه مصدر وفي مضع الحال، أبي : مهدودة، وذلك على أن يكون هذا المصدر من هدَّ زيدٌ الحائط يهدُّه هدَّا، أي :« هدمهُ ».
والثاني : وهو قول أبي جعفر : أنه مصدر على غير المصدر لما كان في معناه، لأن الخرور : السقوطُ والهدمُ، وهذا على أن يكون من هدَّ الحائطُ يَهِدُّ - بالكسر- انهدم، فيكون لازماً.
الثالث : أن يكون مفعولاً من أجله، قال الزمخشري : أي : لأنها تهد.
قوله :« أنْ دَعَواْ » في محله همسة أوجه :
أحدها : أنه في محل نصب على المفعول من أجله، قاله أبو البقاء، والحوفي، ولم يُبيِّنَا ما العامل فيه، ويجوز أن يكون العامل « تَكَادُ »، أو « تَخُرُّ »، أو « هَدَّا »، أي : تَهُدُّ لأن دعوا، ولكن شرطُ النصب هنا مفقود، وهو اتحاد « الفاعل في المفعول له والعامل فيه، فإن عنيا على أنه على إسقاط اللام مطرد في » أنْ « فقريب ». وقال الزمخشري : وأن يكون منصوباً بتقدير سقوط اللام « وإفضاء الفعل، أي هدَّا أن دعوا »، علل الخرور بالهدِّ، والهدُّ بدعاء الولد للرحمن.
فهذا تصريح منه على أنه بإسقاط الخافض. « وليس مفعولاً له صريحاً ».
الوجه الثاني : أن يكون مجروراً بعد إسقاط الخافض « كما هو مذهب الخليل والكسائي.
والثالث : أنه بدل من الضمير في »
مِنْهُ « كقوله :

٣٦٢٩- عَلَى حَالةٍ لوْ أنَّ في القَوْمِ حَاتِماً عَلى جُودهِ لضن بالمَاءِ حاتمِ
» بجر « حاتم » الأخير بدلاً من الهاء في « جوده ».
قال أبو حيان : وهو بعيد لكثرة الفصل بين البدل والمبدل منه بجملتين.
الوجه الرابع : أن يكون مرفوعاً ب « هَدَّا ». قال الزمخشري : أي هدَّهَا دعاءُ الولدِ للرحمن. قال أبو حيان : وفيه بعدٌ، لأن الظاهر في « هَدَّا » أن يكون مصدراً توكيدياً، والمصدر التوكيدي لا يعمل، ولو فرضناه غير توكيدي لم يعمل بقياس إلا إذا كان أمراً، أو مستفهماً عنه نحو ضرباً زيداً، وأضربا زيداً؟ على خلاف فيه، وأما إن كان خبراً كما قدَّره الزمخشري، أي : هدَّها دعاء الولد للرحمن.


الصفحة التالية
Icon