قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ إلى آخر السورة.
لمَّا ردَّ على الكفرة، وشرح أقوالهم في الدنيا والآخرة ختم السورة بذكر أحوال المؤمنين. قوله :« وُدَّا » العامة على ضم الواو. وقرأ أبو الحارث الحنفي بفتحها، وجناح بن حبيش بكسرها. فيحتمل أن يكون المفتوح مصدراً، والمكسور والمضموم اسمين.
قال المفسرون : سَيَجْعَلُ لهُم الرَّحمنُ محبةً، قال مجاهد : يحبهم الله ويحببهم إلى عباده المؤمنين. قال رسول الله ﷺ :« إذَا أحبَّ اللهُ العبد قال لجبريل - عليه السلام- :» قَدْ أحبَّ فلاناً فأحبُّوه، فيحبه أهلُ السَّماء، ثُمَّ يوضعُ لهُ القبُولُ في الأرضِ، وإذا أبغضَ العبد « قال مالك : لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك. والسِّين في » سَيَجِعَلُ « إما لأن السورة مكية، وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة، فوعدهم الله ذلك إذا جاء الإسلام.
والمعنى : سَيُحْدِثُ لهم في القلوب مودة. وإمَّا أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يظهر من حسناتهم. روي عن كعب قال : مكتوب في التوراة لا محبَّة في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله - تعالى- ينزلها على أهل السماء، ثم على أهل الأرض. وتصديق ذلك في القرآن قوله :﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً ﴾. وقال أبو مسلم : معناه يهبُ لهم ما يحبون. والوُدُّ والمحبَّةُ سواء، يقال : آتيتُ فلاناً محبته، وجعلت له ودَّه، ومن كلامهم : يَوَدُّ لو كان كذا، »
وودتُ أن لو كان كذا أي أحببتُ «، فالمعنى : سيعطيهم الرحمن ودَّهم، أي : محبوبهم في الجنة.
والقول الأول أولى، لتفسير الرسول - عليه السلام-، ولأن حمل المحبة على المحبوب مجاز، »
ولأن رسول الله قرأ هذه الآية وفسَّرها بذلك فكانت أولى «.
قال أبو مسلم : القول الثاني أولى لوجوه :
أحدها : كيف يصح القول الأول مع علمنا بأن المسلم التقي يبغضه الكفار، وقد يبغضه كثير من المسلمين.
وثانيها : أنَّ مثل هذه المحبة قد تحصل للكفار والفساق أكثر، فكيف يمكن جعله إنعاماً في حق المؤمنين؟
وثالثها : أن محبتهم في قلوبهم من فعلهم لا أنَّ الله - تعالى- فعله، فكان حمل الآية على إعطاء المنافع الأخروية أولى.
وأجيب عن الأول : بأن المراد يجعل له محبة عند الملائكة والأنبياء.
وعن الثاني : ما روي عنه- عليه السلام- : أنه حكى عن ربه- سبحانه وتعالى- أنه قال :»
وإذا ذكرني عَبْدي في نفسه ذكرتُهُ « في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي ) في ملأ ذكرتهُ في ملأ أطيب منهم وأفضل » والكافر والفاسق ليسا كذلك.
وعن الثالث : أنه محمول على فعل الألطاف، وخلق داعية إكرامه في قلوبهم.
قوله :« بِلِسَانِكَ » يجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال، واللسان هنا اللغة، أي : أنزلناه كائناً بلسانِكَ.


الصفحة التالية
Icon